تعمل جون بول جونس محررة في قسم مراجعة القصص بشركة بارا مونت السينمائية. وذات يوم دعاها رئيسها لمكتبه وقدم لها قصة مكتوبة من فرانكلين. روزفلت، يريد بيعها للشركة.
سألته: هل أعجبتك القصة؟ فردَّ عليها: بأن موضوعها لا يصلح لفيلم ناجح! ولكن يهمه أمر روزفلت؛ وأفهمها أن رفض القصة ينبغي أن يكون بلباقة! فشعرت جون بول بالحيرة ولكنها قررت الاتصال بروزفلت تلفونياً والتحدث إليه حول قصته، فرفض الحديث تلفونياً ودعاها لشرب الشاي معه في منزله.
ذهبت جون إلى المنزل، وانبهرت بما رأت من جو عائلي دافئ، وأجرت معه حديثاً طويلاً في شتى المجالات، ولمحت في عينيه اهتماماً خاصاً بموضوع القصة، وظهر استعجاله معرفة رأي الشركة بالقصة وتعليقه آمالاً كبيرة على بيعها وهو يعدُّ ذلك فتحاً كبيراً للدخول في عالم الكتابة، واتخاذها حرفة يتكسب منها!.
أصاب جون بول الحرج والحيرة وهي ترى أنظار جميع أفراد العائلة تتجه نحوها تملؤهم الثقة والاعتداد بوالدهم, فأحجمت المحررة الذكية عن التصريح بالحقيقة! وأبدت عدم اتخاذ قرار نهائي، وأن الشركة تعمل على إعداد قصص كثيرة، ولم يأتِ بعد الدور على القصة.
انتهت الزيارة ولكن العائلة دأبت على دعوة جون بول عدة مرات. وخلال ذلك توطدت العلاقة وتوثقت أواصر الصداقة مع هذه العائلة اللطيفة، وأدركت جون عزم روزفلت على اتخاذ الأدب حرفة، حتى أصبحت تشعر بحرج شديد في التصريح له بأن محاولته الأولى كان نصيبها الفشل.
وبعد أن انتهت جميع المجاملات والتأجيلات والاختلاقات اضطرت أخيراً أن تقول له بصراحة أن القصة تم رفضها من المسؤول الأول في الشركة. ولم تكن الصدمة قوية فحسب؛ بل كانت قاسية ومؤلمة! ولم تفلح أعذار المحررة الدبلوماسية في تخفيف وقع الصدمة. فكان طبيعياً اضمحلال العلاقة بالعائلة بل وانقطاعها.
تقول جون بول جونس: (مضت خمس عشرة سنة على تلك الحادثة، وأثناء تولي روزفلت رئاسة أمريكا للمرة الثانية, دُعيت مع زوجي الكابتن إلى البيت الأبيض لاحتفال كان قد أقيم لضباط الجيش والبحرية وزوجاتهم، وحينما قُدمنا للرئيس نظر إليّ روزفلت متفحصا ثم قال: أنت جون بول؟ فقلت: نعم يا سيدي الرئيس! فابتسم وقال: هل تذكرين قصتي التي قدمتها لشركة بارا مونت؟ لقد كانت أظلم لحظة في حياتي تلك التي أخبرتني فيها أن الشركة رفضتها).
قالت له جون: إني واثقة أن الشركة نادمة الآن على رفضها! قاطعها بثقة وزهو قائلاً: (ربما، ولكن هذا الرفض علمني أن الإخفاق مهما جعل المستقبل في عيني المرء أسود حالكاً؛ فإنه لا يعني قط نهايته، وأن خير وسيلة للتغلب على الفشل هي نسيانه وملابساته وكل ما يذكِّر به، واستئناف الجهاد بإصرار على النجاح بثقة وعزم). فقالت جون بول: ونجاحك السياسي برهان على صحة هذه النظرية. فابتسم الرئيس مرة أخرى وقال: (أتظنين ذلك؟ ولكن الذي لا شك فيه أنه لو قبلتْ شركة بارا مونت قصتي، لما كنت أنا وأنتِ نتحدث في البيت الأبيض)!.
هذه الحادثة وغيرها كثير تؤكد فشل أولئك الذين يصرون على الدخول لعالم الأعمال والأدب والنجاح والشهرة من ذات الباب الذي رفض دخولهم أو السماح لهم حتى بالإطلالة من بين فتحاته.
وحين رفضت قريش الدعوة المحمدية لم يترك عليه الصلاة والسلام الدعوة بل ترك المكان وهاجر لمدينة أخرى، وكان الانتصار طريقه والنجاح حليفه.
أقول ذلك لكل من يصر على طرق الباب ذاته والوقوف على حائط مبكى الفشل، في حين أمامه عدة أبواب بألوان مختلفة ومقاسات مناسبة قد تكون هي الطريق الأفضل للدخول لعالم النجاح والوصول لقمة التفوق.
لذا لا تتمسكوا بأشخاص رفضوا وجودكم في حياتهم، ولا تقفوا طويلاً أمام الأبواب الموصدة طمعاً في فتحها، ولا تصروا على أعمال لا تناسب إمكانياتكم.
وفي النهاية: ربما تسجيل فشل حالي هو لتحقيق نجاح أبدي.
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com