قمة جبل جليد تتمثل في ظاهرة لا تخطئها عين، ذلك حين يجد المرء نفسه أمام قضية متعددة الأضرار، هي: صراع التيارات الموجودة في مجتمعنا، والتي بدأت تطفو على السطح، خدمة لأهواء مكبوتة، ورغبات دفينة. يترتب عليها تهديد الوحدة الوطنية، والعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي، وتفتيت الجماعة، في جزء من مسلسل حرب الأفكار.
للأسف - فإن المعارك الهامشية التي نراها - هذه الأيام -، تشغلنا بقضايا ثانوية، وتثنينا عن أهدافنا الكبرى، وتنحرف بنا عن أهدافنا العظمى. ناهيك عما تسببه هذه الخصومات من ألم وضيق ومرارة، حول قضايا ليست ذات أولوية. فما يواجهه مجتمعنا من قضايا وتحديات، إن على المستوى الإقليمي، أو على المستوى المحلي أكبر بكثير من هذه الخصومات المفتعلة، التي تدار عن بعد، ولا تخدم إلا من يديرها ؛ فتضر بالتناغم الاجتماعي، وتعطل المسيرة الوطنية.
إن المتتبع لمجريات الواقع، يجد أن ما يجري على ألسنة الكثير من المختصين من مختلف التيارات في بيان آرائهم، أن الأمور قد تفاقمت؛ لتؤدي في نهاية المطاف إلى الاحتراب الداخلي بتشكيلاتها الفكرية. والخاسر الوحيد في مثل هذه المعارك الهامشية، وتلك الدوامة التي لانهاية لها، هو: المجتمع.
كم نحن بحاجة إلى التجرد وعدم التشكيك، أو التسلط والاستبداد، دون الدخول في معارك إقصائية. وإشاعة جو من الدفء؛ لنتكامل في الفكرة والتخطيط والعمل، وننسق الهموم والبذل والعطاء، إذ ليس من مصلحة أحد - كائنا من كان - تغذية هذه الظاهرة، في ظرف دقيق تعيشه بلادنا.
إن وضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الخاصة، والتنادي إلى كلمة سواء ؛ لتجنيب بلادنا عواقب المكائد والمؤامرات الخارجية، مطلب مهم - ولاشك -. فمصلحة الوطن غاية عليا فوق كل المصالح والغايات الشخصية ؛ لتحقيق الإنجازات، والانشغال بالقضايا الرئيسة لتطوير بلادنا، وما يهم أمن ورفاهية المجتمع، ودعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بكل تجرد ونكران للذات. فهل سنتخلى عن أهوائنا ونجعلها بمعزل عن أفكارنا؟.
drsasq@gmail.com