Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/05/2010 G Issue 13732
الثلاثاء 20 جمادى الأول 1431   العدد  13732
 
أوتار
دواخل النفس
د. موسى بن عيسى العويس

 

الناس يتفاوتون في اكتشاف ذواتهم، ويختلفون في القدرة على اكتشاف من حولهم من الناس، هذا التباين نتيجة مران، وتجربة، وتربية، وتعليم، والإنسان الذي لا يتبصّر في نفسه، ويعي مكامن الإشراق والسمو فيها،غير قادر بلا شك على الاستمتاع بمباهج الحياة، أو هداية الناس إلى ذلك. وما أجمل تلك التساؤلات التي يثيرها (عبد الرحمن الرفيّع)، كلون من ألوان الإسقاط، فهو جزء من مجتمع عاشه، والمجتمع يحتل جزءاً مما يدور في هواجسه، ويشكّل جزءاً مما يمور في خواطره وذهنه:

ويسألني من أنت؟ قلتُ: خرافةٌ

أنامُ وأصحو لستُ أعرف عن نفسي؟

ولم تكن لتغيب عنه سبل النجاة، أو الإجابة عن دوامة التساؤلات التي تشي عن مرض عضال ألمّ بهذا الكائن الضعيف، ليقول:

ويسألني ما الوجدُ؟ قلتُ: تألّقٌ

يفجّرُ في الأعماق دنياً من السحرِ

رغم أننا نمتلك فلسفة السعادة أكثر من غيرنا في المجتمعات العربية والإسلامية، بوصفها جزءاً من موروثنا الديني، والحضاري، والثقافي، إلا أننا نعيش في عالم قلق، عالمٌ تلفه الكآبة، ويمتلئ بالضجر، ويعمره التشكّي، والسبب أن شريحة منه لم تكتشف بعد الفلسفة الحقيقية للوجود، أو أنها صهرتها عوامل المدنية الحديثة، لذا لا نستغرب إن هو استمتع الفرد منا بأحلامه، مابين نومه ويقظته أكثر من استمتاعه بواقع حياته ووقائعها الرتيبة. نقول رتيبة؛ لأنن سنن الحياة لا تتغير، والناس يتداولون أيامها ولياليها، ويختلفون في التعاطي مع ما يعمرها، ويدور فيها، بحسب نظرته، ونفسيته.

ما أكثر أولئك النفر الذين يؤمنون بالله ويوحدونه، لكنهم لا يكتشفون أهدى السبل التي تزيد من صلتهم بالخالق، وتقوي علاقتهم وثقتهم بمجريات هذا الكون، ولا تلك السبل التي تدلهم على سبل العيش في الحياة الآمنة، وطرق التعايش مع ساكنيها، في السلم والحرب، في الرخاء والشدة.

الحياة أكثر رحابة، وسعة، وانطلاقة،ومرونة من أن يضيع فيها هدف الإنسان وغايته، أو أن ينسحب من قضاياها ومشكلاتها إلى وسائل وأساليب هادمة لكيانه النفسي قبل أن تهدم أسرته مجتمعه، أو الكيان الذي يضمه.

للحياة الكريمة مفاتيح، بواسطتها يستطيع الإنسان السوي الاستمتاع بكنوزها، ولو تأملنا في بعض سلوكنا كبشر أدركنا أن التعقيد، وضياع الهوية، نابع من جفاف عواطفنا، أو بتعبير آخر حرمان عاطفي، أو فراغ وجداني نحن طرف في تكوينه وتأصيله.

لا أدري، هل علماء النفس والاجتماع هم وحدهم القادرون على كسر الحواجز التي ضربت على النفس الإنسانية، وأملت عليها ذلك الشعور البائس، أو الواقع المتوهم، أو الانهزامية المريرة؟ أم أن الأدباء والمفكرين بشكل عام هم الأكثر قدرة على إذابة ما تراكم على الذوات من عقد، من خلال الفنون والأجناس الأدبية التي يبتدعونها، ممسرحة، أو ممثلة. أخشى ما أخشاه أن يكونوا هم السبب في كل ما يحدث من حيث لا يشعرون، مع ذلك نقول: إننا بحاجة في الواقع إلى مزيد من الأطروحات الإنسانية، واللسانية التي تخاطب العواطف والعقل معاً.



dr_alawees@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد