شيء مؤلم أن ترى أبناء الأمة الواحدة يتراشقون بينهم بأسوأ ما يخطر ببال أحدهم من الكلام الجارح، وأن تشعر أن الأجيال القادمة من أبناء أمتنا يحملون بين جوانحهم هذا القدر من الإحساس بالضغينة نحو بعضهم، ويحققون مراد الأعداء في تمزيق الأمَّة ونشر العداوة بين أبنائها بأقل التكاليف، وأسهل السبل.
|
هنالك موجة من العداء المنتشر بين الشباب العربي المسلم لا تخفى على المتابع، منها ما ينشأ من الرِّياضة التي أصبح فيها التشجيع ضرباً من التعقُّب والتطرُّف، ومنها ما ينشأ من السياسة المختلفة هدفاً وأسلوباً ومنهجاً ومصلحة، ومنها ما ينشأ من الأوضاع الاقتصادية التي تختلف من بلدٍ إلى بلد، ومن شعب إلى شعب، ومن حكومة إلى حكومة. ومنها ما ينشأ بين طبقات العمَّال الذين يعملون في الدول العربية الغنيَّة طلباً للقمة العيش، وإسهاماً في سدِّ فراغ نقص اليد العاملة، ومنها ما ينشأ بسبب (أنماط السلوك والأخلاق) التي يحدث فيها الانحراف والتجاوز من فئاتٍ من الناس.
|
إنَّ هذا المنزلق الخطير يشكِّل عائقاً من عوائق التلاحم بين أجزاء الأمة المتناثرة، وينشر أنواعاً من التعامل القاسي تزيد الإحساس بالغُرْبة رسوخاً في نفوس من يعيشون خارج بلادهم التي ينتمون إليها جنسيّة ومولداً، مع أنهم يعيشون في إطار وطنهم العربي الإسلامي الكبير.
|
لقد سمعت من بعض المصريين شباباً ورجالاً كباراً ونساءً كلاماً قاسياً موجَّهاً إلى إخوانهم في الدين واللغة والوطن الكبير من أهل الجزائر، وكان كلاماً خارجاً عن إطار المعقول المقبول في التعبير عن موقف رياضي، كما سمعت من بعض الجزائريين ما يشبه ذلك، وسمعت من الفريقين، إنطلاقاً من هذا العداء الرياضي، كلاماً ينال من أخلاق أهل البلدين، وتراثهم،وسياستهم،وعلمائهم،ومفكريهم، المسألة أكبر مما يظن بعض المهوِّنين لمثل هذه الظواهر السيئة التي تزيد من تفريق أبناء الأمة الواحدة وتشتيتهم.
|
ومما جعلني ألتفت إلى هذا الأمر بصورة مركزة دعوات بلغتني من أكثر من جهة تطالب بزيارتي للجزائر لإقامة أمسيات شعرية ولقاءاتٍ أدبية لأرى كيف سيكون الفرق بين مصر والجزائر في الضيافة والتقدير والاحترام، وبعضهم قال: أليس كثيراً أن توجِّه في زيارتك الأخيرة لمصر قصيدتين تصوِّر فيهما مكانة مصر شعباً وتاريخاً ومكانة في العالم الإسلامي، مع أننا لم نقرأ لك قصيدة في الجزائر، وحينما ذكرته بثلاث قصائد سبق نشرها لي في بعض دواويني عن الجزائر قال: نريد شيئاً جديداً من باب إحقاق الحق، والعدل في الميزان، فما نريد أن نفهم نحن أبناء الجزائر أنك تؤيد موقف مصر رياضياً، وشرحت لكلِّ من جرى الحديث معهم من مصريين وجزائريين حقيقة موقف الإنسان المسلم من أمته وأنه موقف حضاري لا يجوز أن تجنح به إلى التعصب الأعمى.
|
إن هذه الأمراض التي تسري بين أبناء الأمة الواحدة دون انتباه منا قابل للانتشار كما تنتشر الأوبئة الفتاكة التي نحرص على مكافحتها حماية لأجساد على رِسْلكم يا أبناءَ وبنات الأمة الإسلامية، فأمتكم واحدة، وما الرياضة وغيرها من المناشط إلا قشور لا يصح أن تتحَّول إلى لباب، وما هي إلا وسائل للترويح لا تقدِّم لحضارة الأمة وفكرها شيئاً كبيراً يستحق أن نتعادى عليه وأن نتفانى وما هي التي يتفاصل عليها الناس ويتقاطعون أو يتواصلون من أجلها.
|
أين الروح الرياضية التي نسمع لها جعجعةً ولا نرى لها في الملاعب والمدَّرجات والصحافة الرياضية طِحْنَا؟
|
على رِسْلِكم، واعلموا أن الاستهانة بهذه الأمور لا توصل إلى خير،؟؟؟ هو التطرف، والتعصب الأعمى هو التعصُّب الأعمى في الرياضة وفي غيرها.
|
ولكل شعب ودولة من المحاسن والمساوئ لا يخلو منها مجتمع بشري، وإنما المشكلة في المبالغة غير المقبولة في الحديث عن أحد الجانبيين على رسلكم، فالأمة واحدة، والهدف واحد، والمصدر واحد.
|
|
ومَنْ ذا الذي تُرْضَى سجاياه كلُّها |
كفى المرءَ نُبْلاً أنْ تُعَدَّ معايبُه |
|