السعودي ليس بعمالة رخيصة ومتى عُومل كذلك سيكون إنتاجه وإنتاج الوطن على مقدار هذا العطاء. إن أي حل للبطالة لا يتضمن رواتب مجزية تضمن حياة كريمة للمواطن فليس بحل وإنما هو نوع من العبث وإضاعة الوقت، فلن تُحفز همم الشباب حفنة من الريالات يُطلب على أثرها إنتاجية عالية وسلوك راق. هذا لا ينضبط مع الفطرة الإنسانية، وكل أطروحة تخالف الفطرة فهي أطروحة أفلاطونية. إن أي دخل أقل من خمسة آلاف ريال شهريا ليس بدخل يُخرج السعودي من دائرة البطالة، ولو كان موُظفا صوريا.
وأنا أطرح هنا مشروعا يخلق ستة وثلاثين ألف وظيفة على الأقل برواتب تزيد على خمسة آلاف ريال وسيكون لها آثار جانبية حميدة كثيرة ولا تتعارض مع المصالح الخاصة ومن غير كلفة على الدولة ولا على جهة التوظيف.
محطات البنزين في السعودية تصل إلى تسعة آلاف محطة تقريبا. وبمتوسط 4 عُمال في المحطة (يعتمد على حجم المحطة وأهميتها) يتناوبون على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع فإننا سنخلق 36.000 وظيفة على الأقل. وبما أن الطلب على البنزين يصل إلى 146 مليون برميل سنويا فإن متوسط الاستهلاك الشهري في بلادنا هو 1935 مليون لتر، فلو فُرض قرش واحد (5 هللات) زيادة على السعر الحالي لكل لتر يدفعه المستفيد من الخدمة ويسجل لصالح العامل السعودي لحصل كل عامل في المتوسط على 2687 ريالا سعوديا شهريا على الأقل، فإذا أضيف إليها ما يدفعه صاحب المحطة إلى العامل الأجنبي من راتب واستقدام وسكن وإقامة إلى العامل السعودي بدلا من الأجنبي فسيصل راتب السعودي إلى أكثر من 5000 ريال سعودي شهريا، والحكومة لن تدفع شيئا ولا صاحب المحطة كذلك. وقرش على لتر البنزين سيكلف المستفيدين من البنزين من سكان السعودية قرابة قرشان يوميا فهل سنبخل بها؟ إن تنفيذ مثل هذا المقترح لا يحتاج إلى لجان حكومية تعقد المسألة وتطيلها. وليس هناك من ستتعارض مصالحهم الخاصة مع مثل هذا المقترح، كما تعارضت من قبل مع قرار سعودة التاكسي فأجهضوه!
هذا مقترح بسيط عملي لا تعقيد فيه، وليس له متعلقات وتبعات تضر بالآخرين بل إن له آثارا جانبية حميدة كثيرة منها: إن هذه المبادرة تنتهز فرصة انخفاض أسعار البنزين فتحول جزء منها لمصلحة المواطن الضعيف والمجتمع بدلاً من نداءات رفع أسعار البنزين. وتهدف إلى نشر ثقافة انتزاع العمالة غير المدربة السعودية من يد الأجنبي غير المتخصص. كما أن هذا المشروع سيرقى بخدمة المحطات، حيث إن العمالة السعودية ستتنافس على تحسين الخدمات لاجتذاب الزبائن إليها من أجل رفع عمولاتهم التي تعتمد على كثرة البيع، كما أنها تؤمن وظائف للمحللين من غير داع للهجرة، كما تهدف المبادرة إلى خلق ثقافة مشاركة العامل للربح مع رب العمل، كما تهدف إلى تخفيض عدد العاطلين من السعوديين مما يقلل عرض العمالة غير المتخصصة فترتفع الأجور لهذا النوع من العمالة.
إن هناك برامج كثيرة بسيطة مثل هذا البرنامج يمكنها أن تمتص العمالة السعودية غير المدربة وبأجور مرتفعة لكنها تبحث عن الوطني الصادق الذي يتبناها.
ومما يجب ألا يُسكت عنه أن هذه المبادرة هي إحدى مبادرات مجموعة البحث عن فرص التوظيف التي وُلدت كغيرها من رحم وقف الشمال للتنمية وبمشاركة وطلب من عبدالله الرخيص، فهل ستثمر جهود هذا الشهم النبيل ويرى عاجل ثمرات وقفه الذي أوقفه على تنمية الوطن.