للمختصين، والمهتمين، والممارسين للحركة التجارية في المجتمع أن يقولوا ما شاء فهمهم، وما توصلت إليه قراءاتهم لها، أو مصالح الممارسين المستفيدين منها، وللإنسان المستهلك أن يقول ما لديه، من يستيقظ فيجد أنه أمام «علبة» الحليب الذي تنتظره زوجه المرضعة في البيت, وقد ارتفع ثمنها بما لا يحتمل تردده سقف راتبه، إذ عليه أن يوفر عددا منها في الأسبوع الواحد، ومن يأخذ صغاره لابتياع بعض الحلوى المفضلة فيدفع قيمتها التي اعتادها، فيجد البائع وقد ضاعف الثمن أو كاد، فتثيره الدهشة حين يجده أمام تسعيرة، ما إن بات ليله حتى استيقظ على الزيادة، وكلما تحركت أقدام الجائعين لابتياع شطائرهم الساخنة، أو مشروباتهم المثلجة، أو احتياجاتهم اليومية، أو كسوتهم الضرورية، ناهيك عن غيرها، إلا ويجدون أن السوق قد التهب غلوا، والأسعار لا تتوافق مع الدخل لدى الشرائح الغالبة في المجتمع، بعضهم يحوقل، وآخر يركض للاستدانة، ومنهم من يقتصد حدا كبيرا.
وفي جانب آخر، هناك من الناس من بدأ يواجه مالك الدار التي يقطنها, وقد طال انتظاره، وطرقه, فبابه قد أصبح مرآة لوجهه اليومي، أو صوت مندوبه، يطالبه بالزيادة في الإيجار، العقار بين عشية وضحاها تضاعفت أسعاره، والناس قد ألفت سماع القيم الباهظة بمصطلحاتها الواخزة فصمتت القلة على ضيق يدها، وعفاف المساءلة، وركضت الأخرى لطرق شتى لغطية هذه الحاجات،.. ومع التسارع في تطوير حركة الاستيراد، وفتح الأبواب على مصراعيها لكل مصانع العالم، وتوريداتها، ما قل ثمنه أو ارتفع، إلا أن المعيشة قد أنهك غلاها المفاجئ قدرات الشرائح الأكثر من الناس، في مقابل العروض المغرية التي تتنافس بها البنوك، والشركات لتقديم القروض المغرية في ظاهرها، المهلكة في حقيقتها، حتى أصبح الناس،- إن لم يكن الكل منهم- فالأكثرية، مثقلين بديون القروض طويلة الأجل، لا تجد شابا في مقتبل حياته, إلا قد لف القرض المالي حباله حول معصميه ورقبته، في الوقت الذي عرفنا ضمن ثقافتنا أن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، قد استعاذ من غلبة الدين، وقهر الرجال،.. إذ حيثما تتجه يواجهك الغلاء، في المأكل والمشرب، ومغريات السلع الخدمية التي استحوذت على اهتمام واستخدام الفرد، وإغراءات الشركات المتكاثفة على كاهل الفرد..
بدءاً من حاجة الرضيع، ووقوفا عند وسائل «ألو»، ومركبات النقل، والكساء، والغذاء؟..، فلماذا..؟ لماذا لا تدرس الجهات المسؤولة مثل هذه الأزمة.. وتضعها في الجوار أهمية، مع أزمات البطالة، والأمية.. والفقر، والانحرافات السلوكية,، إذ إن متطلبات المعيشة، وارتفاع العقار شراء وتأجيرا، والغذاء، والخدمات العامة, لا تقل أهمية عنها؟.. ومع أن قائد البلاد -حفظه الله- قد وجه مرارا بضرورة الموازنة بين حاجات الفرد، واستشراء التجار والمالكين للعقار...، وبضرورة تهيئة فرص العمل، ودراسة احتياجات البطالة والفقر وضبط المعايير بين الواقع والواجب..
فمن يقوم الآن بحل شأن الحال العامة للغلاء الشامل..، بين الأفراد، هذه الموجة التي استشرت،... فهذا انفراط في شهوة التجار، والملاَّك، والمموِّنين للإثراء على حساب الفرد.. حتى غدت غالبية الناس مكبلة بالقروض... فهوِّنوا على الناس عيشها أيها التجار، يُفرج الله لكم أبوابا للرزق من حيث لا تعلمون، فخراج ربك خير وأبقى..