الجزيرة- عبدالعزيز العنقري
سجل مؤتمر كانكون بالمكسيك الذي انعقد في 30 و31 مارس 2010م، انطلاقة هامة لبناء عهد جديد من الوفاق الدولي في مجالات الطاقة حيث التقت كافة الأطراف الدولية الرئيسية في محفل واحد للاتفاق على وحدة مصالح المستهلكين والمنتجين للطاقة، عبر التعاون لإدارة الطاقة عالميا لصالح التنمية الدولية المستدامة، وأصبح «منتدى الطاقة الدولي» ومقره العاصمة السعودية الرياض جسر تواصل وتعاون دولي في مجالات الطاقة ونقطة تحول جوهرية إستراتيجية يعمل على طي صفحة الصراعات التي شابت العلاقات بين المنظمات التابعة للدول المستهلكة والمنتجة للبترول والطاقة, للتركيز على قواسم التعاون والمصالح المشتركة لكافة الفرقاء.
ويشكل موضوع المصادقة على «ميثاق منتدى الطاقة الدولي» في الاجتماع القادم بالرياض المقرر عقده قبيل مارس 2011م دليلا على السياسة السعودية الرائدة والفاعلة على الساحة الدولية.
ولاستشراف هذا الموضوع بأبعاده التقت (الجزيرة) الدكتور خالد بن منصور العقيل المستشار الاقتصادي السابق في وزارة البترول والثروة المعدنية، ورئيس مكتب نماء للاستشارات البترولية والمعدنية
تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين
ما تقييمك لنتائج مؤتمر كانكون الثاني عشر الذي تم عقده في المكسيك الشهر الماضي؟
بداية، أحب أن أوضح أن الأحداث الدولية برهنت بُعد النظر الاستراتيجي لخادم الحرمين الشريفين، الذي تُوج بافتتاح مقر الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي بالرياض في 19 نوفمبر 2005م، والذي نقل موضوع الطاقة خاصة البترول والغاز من ساحة الصراع المعهودة إلى حالة من التعاون والتفاهم في إطار مؤسسي معني بأمور الطاقة ويعمل لفائدة التنمية الدولية المستدامة. ولابد من التنويه بالحنكة الدبلوماسية لمساعد وزير البترول الأمير عبدالعزيز بن سلمان ومتابعته الدؤوبة كرئيس للجنة الإشرافية العليا المكونة من كبار المسؤولين في الدول المشاركة (الولايات المتحدة الأميركية،بريطانيا فرنسا، ألمانيا,النرويج،اليابان،المكسيك، الجزائر، الكويت، قطر) والتي تكللت أعمالها ونتائجها في نجاح مؤتمر كانكون بالمكسيك لمنتدى الطاقة الدولي المنعقد خلال الفترة 30-31 مارس 2010م بمشاركة 63 دولة وحضور 14 منظمة دولية والذي تمخض عنه فتح صفحة جديدة في رسم علاقات التعاون الدولية في مجالات الطاقة، والمؤمل طي صفحة العراك الماضية بين المنظمات التابعة للمستهلكين والمنتجين وهو بحق إنجاز محل اعتزاز وفخر للقيادة السعودية ومكانتها المميزة على الساحة الدولية. ويأتي على رأس أهم نتائج مؤتمر كانكون الثاني عشر لمنتدى الطاقة الدولي اتفاق الدول المشاركة على عقد اجتماع وزاري استثنائي في الرياض قبيل مارس 2011م «للمصادقة على ميثاق منتدى الطاقة الدولي» وهو ما يمثل اعتراف دولي بأهمية ما تمارسه أمانة منتدى الطاقة الدولي كمظلة تعمل لتقريب وجهات النظر بين كافة الفرقاء لإيجاد الحلول لكل العقبات، ولتحسين الشفافية وزيادة الإلمام بالقواسم والمصالح المشتركة، والاستقرار والتنبؤ بسياسيات الطاقة وما يتصل بها والتي تتطلب جهود فردية وجماعية، ومنها مواضيع التغير المناخي، والتطورات التقنية، والتعاون في مجالات الطاقة على مستوى الحكومات والصناعات ذات الصلة.
استشراف ميثاق الطاقة الدولي
برأيك، ما هي النقاط التي يجب التركيز عليها في الاجتماع القادم في الرياض لدعم عمل منتدى الطاقة الدولي في المستقل؟
بالنظر لما يمثله موضوع المصادقة على» ميثاق منتدى الطاقة الدولي» في الاجتماع القادم بالرياض من أهمية بالغة تبرز الحاجة إلى رؤية إستراتيجية توافقية تؤدي إلى استمرارية وديمومة عمل «منتدى الطاقة الدولي»، لما لذلك من أهمية:
أولاً والتركيز على أهداف واضحة وخطط عمل قصيرة وبعيدة المدى لفائدة كافة الإطراف، وآليات لتقريب وجهات النظر المتباينة، بالإضافة لتنظيم هيكل وأعمال أمانة منتدى الطاقة الدولي لتواكب المهام الجسام الملقاة عليها بمهارة فنية وجدارة تنسيقية، وإجراء تنظيمات سعودية محلية لتسهيل كافة حاجات الأمانة وكادرها الوظيفي وحركة انسياب الوفود وأعضاء المنظمات ومراكز الأبحاث الدولية ذات الصلة بالطاقة، وأوجز مقترحاتي حيالها كما يلي:
- أن منتدى الطاقة الدولي مظلة محايدة تعمل لخدمة التعاون والتفاهم وتوثيق أواصر التعاون والتشاور بين الدول والمنظمات الدولية في مجالات الطاقة والقطاعات ذات الصلة بما يحقق المصالح المشتركة لكافة الأطراف ويعزز التنمية الاقتصادية الدولية المستدامة ومراعاة الحفاظ على البيئة السليمة.
- منتدى الطاقة الدولي منبر تنموي حضاري يعمل على تعزيز أمن الطاقة من ناحية العرض والطلب لفائدة المستهلكين والمنتجين معا . كافة مداولاته استرشادية ألا في حالة وجود رغبة من جميع الدول الأعضاء في تبني سياسة معينة فالأمانة تعمل على المتابعة والتنسيق في تحقيقها.
- إن توفر الطاقة الكافية عامل رئيسي في الحياة الكريمة للإنسانية وأساسي في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة، حيث يقوم منتدى الطاقة الدولي بالعمل على بناء الثقة والتعاون بين المستهلكين والمنتجين للطاقة من خلال تقريب وجهات النظر والفروقات في المواقف لتجنيب قطاع الطاقة الهزات العنيفة قصيرة المدى. ويساهم المنتدى في إيجاد حلول عملية للتخفيف من وطأة تلك الهزات على الاقتصاد الدولي خاصة على الدول الفقيرة.
- يعمل المنتدى على متابعة الجهود الدولية المبذولة لسد حاجات المجتمع الدولي المستقبلية من الطاقة بأنواعها خاصة في مجالات تطوير الطاقات المتجددة النظيفة ويشجع الدول الأعضاء في تطوير وتبادل واستخدام التقنيات الاقتصادية ذات الكفاءة العالية الصديقة للبيئة.
تطوير آليات أمانة منتدى الطاقة الدولي
ما الخطوات الواجب اتخاذها لضمان تحقيق الأهداف والمهام التي يتضمنها ميثاق المنتدى ؟
إن المصادقة المرتقبة في اجتماع الرياض القادم قبيل مارس 2011م على ميثاق منتدى الطاقة الدولي هو بداية النجاح لسياسة المملكة في مجال الطاقة ولتعزيز موقع أمانة منتدى الطاقة الدولي ولضمان استمرارية حيويتها وانجازاتها من الأهمية اتخاذ خطوات عملية تساهم في تحقيق أهداف المنتدى من خلال تنظيمات وآليات أهمها:
- هيكلة أمانة منتدى الطاقة الدولي:
فلتحقيق الأهداف والمهام المنبثقة عن ميثاق منتدى الطاقة الدولي، يتطلب ذلك من أمانة الطاقة بالرياض إعادة صياغة نظام قانوني جديد يحدد فيه كافة أهدافها وإداراتها الاقتصادية والفنية والمعلوماتية والعلاقات الدولية، الأمر الذي يتطلب استقطاب كوادر صاحبة مهارة عالية وخبرات عملية ودراية دولية لتوطيد العلاقات خاصة مع الإدارات المعنية التابعة للدول الأعضاء ومتابعة عملية انسياب المعلومات والآراء لخدمة الفعاليات ولكافة الأطراف المشاركة، مع إقرار وتحديد ميزانية سنوية تشارك بها الدول الأعضاء القادرة ماليا بحصص متساوية مع قبول الهبات من الجهات والمؤسسات والشركات لدعم أعمال ونشاط آليات منتدى الطاقة الدولي. ولاستقرار وضع الأمانة المالي في المدى البعيد ولتجنب الاختلالات يتم بناء احتياطي مالي سنوي إلى حدود مستوى قيمة مجموع خمسة أمثال حجم الميزانية السنوية المعتمدة. أما حجم الميزانية السنوية فيقرره جدول الأعمال السنوي والتكاليف التقديرية في دولة المقر والاجتماعات في الدول المستضيفة وهي مسألة يقرها عادة مجلس المحافظين من الدول الأعضاء المشاركة، حسب بنود وتفاصيل الميزانية التقديرية السنوية.
- الرياض عاصمة لمقر منظمات دولية وإقليمية:
لا شك أن العاصمة السعودية الرياض إلى جانب كونها تحمل صفة الإدارة الحكومية للدولة لكنها في السنوات الماضية شرعت في فتح أبوابها وتوجهها نحو إنشاء مدينة الملك عبدالله المالية، وضم مقر البنك المركزي الخليجي،والأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليج العربية, واستضافتها لأمانة منتدى الطاقة الدولي وهو مظهر حضاري ومؤشر تنموي وسياسي هام لمستقبل الرياض على المستويين الإقليمي والدولي خاصة بعد مرحلة التصديق وإقرار دول العالم الرئيسية لميثاق منتدى الطاقة الدولي وما يترتب عليه من ضرورة إيجاد المناخ المناسب لكافة وفود وبعثات الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والمدنية ومراكز الأبحاث ، لتسهيل حركتهم ومشاركاتهم في اجتماعات الطاقة .
آثار المتغيرات الدولية على سياسات الطاقة
ما أسباب تزايد الاهتمام بمنتدى الطاقة الدولي في الآونة الأخيرة من قبل منتجي ومستهلكي الطاقة؟
إن التغيير والتحديث سنة الحياة لإعمار الأرض وتحقيقا لمعنى الآية الكريم « علم الإنسان ما لم يعلم», وإحدى مشاهدهما مسار تطور علم الاقتصاد والتغيرات الجارية في تشكيل الفكر الاقتصادي الحديث والتحولات الهيكلية فمجموعة السبعة الاقتصادية الكبرى تطورت إلى ثمانية وصارت الآن مجموعة العشرين لتعكس انتهاء مرحلة السيطرة التامة للدول الصناعية الغربية مع صعود قوى اقتصادية أخرى أصبحت أكثر تنوعا وإنتاجا وأسواقا، والجميع أيقنوا أن كوكب الأرض جميع البشر فيه شركاء فالبيئة النظيفة لا حدود لها والاعتماد المتبادل والانتعاش الاقتصادي العالمي يقرره حجم التبادل والتعاون التجاري والصناعي الدولي، وسقطت كافة الشعارات الاقتصادية المركزية والرأسمالية المفرطة فالعالم الآن في حالة مخاض لولادة رؤية اقتصادية دولية جديدة متعددة الجوانب تقوم على أسس الانفتاح الاقتصادي والتجاري في ظل المحاسبة وتطبيق القوانين لتحقيق مبدأ التنمية الاقتصادية العالمية المستدامة و لمعالجة المشاكل الدولية المشتركة وأهمها نظافة البيئة وآثارها المتعددة على الدورة الحياتية، ومسائل الفقر والانفجار السكاني والغذاء وتوفر المياه والطاقة.
وفي مسألة موازين الطاقة كإحدى أهم دعائم التنمية والنمو الاقتصادي والرفاهية الإنسانية المعيشية، من البديهي إدراجها في سلم أولويات المتغيرات على الساحة الدولية، فالعالم منذ إنشاء منظمة الأوبك في عام 1960م الممثلة لمجموعة من الدول النامية المصدرة للبترول ووكالة الطاقة الدولية في عام 1973م التابعة لمجموعة الدول الصناعية وهو في حالة عراك حول مفهوم السعر العادل للبترول والغاز وهما لقيم الحضارة المعاصرة في شتى منتجاته ومصدر الطاقة الرئيسي في حركة مواصلاته ومحركاته. هذا الصراع أحد نتائجه السلبية هو عدم التمهيد لمرحلة تنويع مصادر الطاقة النظيفة ومحاولة استنزاف الموارد الهيدروكربونية بأزهد الأثمان وحالة الغموض على طرفي الدول المنتجة والمصدرة للطاقة وعلى سنامها الصناعة البترولية وهو وضع لا يخدم في المدى البعيد مصلحة التنمية العالمية المستدامة بل يؤدي إلى اختلالات في توفير الكميات اللازمة من البترول والغاز والطاقة المستقبلية لمقابلة الاحتياجات الدولية منها.
دعوة خادم الحرمين الشريفين للتعاون الدولي المؤسسي في مجال الطاقة
ما العوامل التي دفعت المملكة للدعوة لتأسيس أمانة منتدى الطاقة الدولي؟
لاشك انه في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية وزيادة الوعي بأهمية التعاون الدولي والعملي في مجالات الطاقة جاءت دعوة المملكة للمطالبة بتأسيس « أمانة منتدى الطاقة الدولي» بالعاصمة الرياض من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليا للعهد في حفل افتتاح منتدى الطاقة الدولي السابع في عام 2000م، والتي تحدثت عنها بإسهاب في كتابي «رحلة في عالم البترول»،حيث مثلت فكرا عمليا للتعاون الدولي البناء في مجالات الطاقة وإستراتيجية محورية نظرا لما تميزت به هذه المبادرة من قبل خادم الحرمين الشريفين من نقل الحوار بين المستهلكين والمنتجين للطاقة -الشكلي والإعلامي- والذي وصف «بحوار الطرشان» إلى إطار مؤسسي دائم معني بالحوار الجاد حول حجم الصعوبات والتحديات التي تواجهها أسواق الطاقة ومن أهمها الحاجة إلى تخفيف مستوى تذبذبات أسعار الطاقة الحادة وحالة عدم اليقين المثبطة للاستثمارات في مجالات تطوير إمدادات جديدة لمقابلة الطلب العالمي من الطاقة في المستقبل، و ضمان أمن العرض والطلب من الطاقة وأسواقها لمقابلة حاجات التنمية الدولية في ظل مراعاة مصالح المنتجين والمستهلكين ،و مواجهة الآثار الضارة والعواقب من حالة تغييرات المناخ العالمي، بإضافة لمحاربة فقر الطاقة وكيفية التعاون ما بين المنتجين والمستهلكين من خلال منتدى الطاقة الدولي لإيجاد حلول مشتركة قائمة على التفاهم والتعاون.