تثار كثيراً مشكلة الإعلام السايبروني الذي أتاح وصلاً، وألغى فصلا، وأبطل نظرية «بيركلي» التي تقول: إن سقوط شجرة في غابة دون رؤيتها لن يحدث صوتا؛ فقد جاب الإعلاميون مجاهل الغابة، بل أحصوا أخضرها ويابسها، وسمعوا حفيفها ورفيفها؛ وانتفت السرية وسادت العلنية وانتهى زمن «كل شيء ممتاز» و»المسؤول أدرى»؛ فلا عصمة للشخصيات العامة، ولا بقاء للخصوصية المجتمعية.
رؤية طرحها صاحبكم في مداخلة منتدى خاص دار الحوار فيه حول محاولة ضبط الإعلام «كيلا يقول إلا خيراً أو يصمت»، وهو ما لم يعد ممكنا؛ ما يجعل التعامل مع ما يُبث في هذا الفضاء رهناً بأمانة المرسل، ووعي المستقبِل، وعادية الخطأ، وتوقع الخطيئة، وزوال الحساسية من َلْوك الشفاه، و عدم الالتفات للافتئات.
هنا مفهوم إنساني شامل يعم الأدنين والأقصين، وبني الأب والعم والجار الجنب، وللإمام ابن القيم - رحمه الله - في (مدارج السالكين 2-39) مقولة عظيمة؛ ف»لو كان كل من أخطأ أو غلط أُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها».
لا مكان لمن يدّعون في أنفسهم أو يُدّعى لهم بالقدسية، وللإعلام الجديد فضل، وقد عشنا زمناً غير رغد نظن أن فينا من هم منزهون عن الأهواء والأخطاء، ووهمنا أن أسلافنا عدول لا تجوز عليهم عثرة؛ فإذا بنا أمام حقائق تنفي هذه الخيالات، وإذا بتراثنا المضيء - الذي بدأنا نلمح فيه وجوها حجبت - ممتلئ بما يؤكد بشرية الناس «كل الناس» عدا أنبياء الله فيما يوحى به إليهم الله.
في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه رضوان الله - (11-66-67) ما نصه: «ليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفوراً لهم، كما ليس من شرطهم ترك الصغائر مطلقاً، بل ليس من شرطهم ترك الكبائر أو حتى الكفر الذي تعقبه التوبة ا. هـ».
قد يغني هذان الاستشهادان لعالمين موثوقين كي ندع التنظير لإعلام نزيه محايد، وكيلا يجزع منتَقَد من منتقِد، ولئلا نُحمّل السلبيات فوق ما تستحقها، أو نرفع الشخوص فوق ما تطيقه النفوس، وفي المنتدى ذاته (ثلوثية العوهلي في عنيزة) عرض صاحبكم مثالاً مما ناله «شخصياً» من إساءات في إعلام «جماعته» الإلكتروني - بعد مهرجانها الثقافي الثاني، وما تزال تأتيه إساءات مماثلة من الملثمين والمقنعين والمختفين خلف أسماء وهمية، لكنها لا تحرك شعرة في مفرقه، وهو مجرد اسم عابر أمام ما نال أسماء كبيرة من رموزنا الجليلة؛ ما يعني - بوضوح - أن لو حجّمنا دلالات النزاهة والخلل في نفوس المتلقين لما أصبح للأفّاقين كما المنافقين وزن.
ليس الحل في منع الإعلام من نشر أخباره الخداج، مهما كانت مسيئة؛ فلا حول لمثل هذا، ولكنه تصور الخطأ من الجميع في جانب؛ ما يقطع الطريق أمام المتاجرين بانعدامه، ووضع تشريع داخلي في المنتديات الشبكية يمنع الأسماء الرمزية ؛ فمن يستتر خلف إصبعه لا يستحق الظهور.
كان المنتدى يطمح إلى لغة إعلامية راقية بحق مدينته، وأنَّى له ذلك؛ فمدارنا بشري يهفو ويعفو؛ والذنوب لا تناقض شروط أولياء الله، والخطأ الإداري له مرجعيته ومجرياته، ولا يجوز أن يحيل الهدوء إلى ضجيج ويتداخل في محاولة تفتيت النسيج الاجتماعي.
الغابة صحراء مكشوفة.
Ibrturkia@gmail.com