كم أتمنى أن أحظى بهذا التوتر والدأب والجَلَد الذي يمتلكه الشيخ المصري يوسف البدري، الذي لا يجف حبر قلمه عن كتابة عرائض الدعوى والشكاوى، ولا تكف قدماه عن ملاحقة المارقين عن الدين، كما يراهم، من مثقفين وعلمانيين... إلى آخر القائمة! أقول لو كنت بهذا الفراغ والوقت الزائد، لكنت لبست ثوبي الجديد وشماغي المكوي، ومشلحي (مع أن ما عندي مشلح)، وتدهنت بأوقية دهن عود، ووجهت إلى المحكمة لأشكو تلكم القناة الفضائية، التي زعزعت أفكار زوجتي إلى حد الشكّ والوسوسة، بسبب أحاديث ضيوفها من جهة، وبسبب الأشرطة الوردية لرسائل الإس إم إس المخجلة!
فلم نكد نصحو من صدمة اقتراح هدم الحرم المكي، وما حملت من طيش سببه فوبيا الاختلاط التي طالت حتى أقدس بقاع الأرض وقبلة المسلمين، حتى فجعتني زوجتي ذات نهار، وهي تسألني إذا ما كانت مشاهدة المسلسلات التركية حراماً أم لا؟ ومع أنني أشعر بسذاجة هذا النوع من المسلسلات، ولا أتوقف عن السخرية منها، ومع أنني لا أملك حق الفتوى، حتى داخل مملكتي الصغيرة، وحتى لو كان اسمي «يوسف»، إلا أنني أخبرتها بأنها مسلسلات لا تختلف عن غيرها، صحيح أنها رديئة من حيث الفكرة والبناء والسياق....!
لحظة توقف، بلا فذلكة واستعراض ثقافتك عليّ، أنا أسألك عن مشاهدتها، تجوز أم لا؟
تنفسّت بعمق، وسألتها: ما الأمر يا عزيزتي؟ أخبرتني أن إحدى المشاهدات، ولا أعرف إن كانت مشاهدة فعلاً أم غير ذلك، كتبت أنه لا تقبل صلاة المرء الذي يشاهد المسلسلات التركية لأربعين يوماً! يا ساتر!
قلت بصدمة: يا ساتر! وعدت إلى فلسفة الأمر؛ كي أجعلها تنصرف عن الوهم والشك، وأخبرتها بأن تلك حرب رخيصة بين قنوات الفضاء، وطبيعي أن تحاول كل قناة أن تسحب البساط من الأخرى، خاصة أن أكثر شيء تتابعه النساء هو المسلسلات التركية وأشرطة القنوات الدينية المختصة؛ لأن شريطها هو محادثة مباشرة بين ربات بيوت عاطلات عن العمل في مختلف أنحاء المملكة؛ فمن الطبيعي أن تتصارع القنوات على غلّتها من النساء الساهمات في الشاشة الفضيّة.
لا أعرف لماذا تذكّرت غضب جدّي من جدّتي وغيرته عليها، حينما لاحظ اهتمامها ببرنامج المصارعة الحرّة الذي يقدّمه المذيع اللامع إبراهيم الراشد، وربما كانت تجد في الضرب والعنف رغبة مكبوتة لأن تنتقم من تسلّط جدي، الذي جاء ذات ظهيرة، ليخبرها أن الشيخ فلاناً أفتى بأن مشاهدة النساء للمصارعة الحرّة لا تجوز، بسبب عورة المصارعين، وأن من تشاهدها لا تقبل صلاتها حتى تكفّ عن ذلك، ولكن ذلك الزمن القديم، قد يظهر فيه كل عجيب وغريب، ألم يكن أهلنا يحرّمون السلام على من جاء من الكويت حتى تمرّ ثلاثة أيام، ربما ذلك كي يتطهّر من الفساد الذي يراه هؤلاء في الكويت؛ فهي في عرفهم ديرة مسارح؛ فالمسرح رجس؛ لأنه رقص وعري، كما يراه هؤلاء، وليس مصدراً للتنوير والفكر كما نراه الآن!
لم أفعل مثل جدّي، بل شجّعت زوجتي، وجلست معها طوال حلقات المسلسل التركي «صرخة حجر» الذي ناقش الصلف الإسرائيلي في التعامل مع القضية الفلسطينية، وعرضها بوضوح وجرأة، جعلت أزمة كبيرة تنشأ بين تركيا من جهة وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى. وكنت أسأل نفسي بعد كل حلقة: مَن يحمينا من فوضى الفتوى، ودخولها في كل شيء، وصدورها من أي كان؟
لقد كنت أقترح على زوجتي أن تخمد صوت القناة، وأن تكتفي بالشريط أو الأشرطة الثلاثة التي تتجادل فيها النساء، حول المستحضرات والوصفات الشعبية لكل الأمراض، وبث الهموم والخيانات، لكن الشريط نفسه أصبح بحاجة إلى إخماد أيضاً، ربما الحل هو أن نقترح على إدارة القناة تشفيرها وفرض رسوم عالية للاشتراك فيها؛ وذلك لأهميتها! بينما نحن نحلم في الخفاء بأن (نفتك) منها، مع أنني أخشى أن تفعلها المدام وتقوم بالإضراب عن العمل، مقابل الإسراع بالاشتراك فيها!
yalmohimeed@hotmail.com