طرحت في الحلقة السابقة خمسة تساؤلات، وهنا أتعرض لها بشيء من التفصيل.
أولا: الشخص الذي لقب بأستاذ هو أستاذ في ماذا؟. المؤكد أن مستشفى الملك فيصل التخصصي يطبق قواعد صارمة لمراقبة الجودة النوعية في تطبيقاته الصحية من الألف إلى الياء. هذه المسلمة تعني ضمنا أن هذا الأستاذ المعالج لديه ما يؤهله لممارسة علاج الأمراض المستعصية أو على الأقل لديه براهين مدعمة بالوثائق على نجاحات سابقة وعديدة تثبت نجاعة ممارساته بالقدر الذي أشار إليه، لأن ما عدا ذلك يعد تفريطا في حقوق المرضى وخرقا لقواعد وشروط الجودة النوعية، وإنني أستبعد ذلك.
ثانيا: من هم الأطباء الذين أصيبوا بالذهول أولا، ثم التأييد التام تاليا للنتائج التي رأوها؟. نريد أسماءهم وتخصصاتهم، وهل حصلوا على الموافقة على قرارهم من قبل لجنة طبية (كونسلتو) في المستشفى أو من إدارة الخدمات الطبية أم كانت قراراتهم فردية وليس لها أي مرجعية قانونية؟. نريد منهم شرحا لقناعاتهم لكي تعم الفائدة في جميع أنحاء المملكة.
ثالثا: أطالب بتقديم النتائج النهائية (بطريقة مشفرة حفظا لأسرار الناس) مدعمة بالملفات الطبية وتشخيص الأمراض في كل حالاتها وأنواع العلاج المطبقة التي فشلت فسلمت المسئولية إثرها للمعالجين من غير ذوي الاختصاص فحصل الشفاء التام، وكم عدد الحالات بالتمام والكمال ومدة بقائهم على قيد الحياء بعد العلاج. تسألون: لماذا هذا التشدد؟. ذلك لأن أدعياء كثيرين في الشرق والغرب، مسلمين وغير مسلمين يقدمون مثل هذه الادعاءات يوميا على الجرائد والفضائيات، ويصرفون المرضى عن العلاج بالطرق العلمية، ثم يثبت لاحقا أنهم مجرد أدعياء، وما المدعو الدكتور الهاشمي وأمثاله ببعيدين عن الذاكرة المحلية.
إن الصدر مفتوح لقبول الأخبار الطبية الطيبة مهما كانت مصادرها بشرط أن تكون مدعمة بالأرقام والبراهين.
رابعا: هل فعلاً وقف الأطباء المتخصصون مكتوفي الأيدي في مستشفاهم وسلموا مرضاهم لغير ذوي الاختصاص العلمي؟. وهل تم فعلاً افتتاح قسم خاص للعلاج بالرقية الشرعية في المستشفى التخصصي بعلم وموافقة السلطات الصحية ولم تعمم هذه الفائدة على جميع مستشفيات المملكة. ولماذا يتم احتكار هذه الخدمة في مستشفى واحد؟.
خامسا: ما هي النتائج التي قد تترتب من تلك التصريحات حتى ولو تم نفيها من قبل المستشفى على استحياء على قرارات المرضى المصابين بمستعصيات الأمراض قبل القبول ثم الدخول في مصاعب ومخاطر العلاج الطبي المتخصص الكثيرة، خصوصا أنهم سوف يستنتجون أن من يستطيع الوصول مع الأمراض الميئوس منها إلى الشفاء التام سوف يستطيع ذلك من باب أولى مع تلك الأمراض في مراحلها الأولى قبل أن تستفحل.
وفي الختام: إن ترك مثل تلك التصريحات دون تحقيق يؤدي إلى نفي أو إثبات من شأنه أن يفوت على الكثيرين من المرضى فرص العلاج العلمي المتخصص. وبما أن المستشفيات المتخصصة تكلف الاقتصاد الوطني مبالغ هائلة من ميزانية وزارة الصحة والقطاع العسكري والقطاع الخاص، وما دام الاستغناء عنها سهلا إلى هذه الدرجة فمن الواجب إغلاقها بالضبة والمفتاح، وأولها مستشفى الملك فيصل التخصصي.
ثمة نقطة هامة أخرى هي أن طلب العلاج للأمراض المستعصية بالوسائل الطبية الحديثة لا يقتصر فقط على بسطاء أواسط الناس، وإنما يشمل كبار العلماء الشرعيين والمسئولين وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة، فلماذا إذن لا يتم إقناع كل هؤلاء من باب الإخلاص والمحبة بأن يوفروا مشقات الاغتراب وأساليب العلاج المضنية، ثم الخضوع للعلاج البديل المتوفر في المستشفى التخصصي؟.
هذه مجرد أسئلة طبية تتطلب إجابة مقنعة. وإكمالا للفائدة: لماذا كليات الطب هذه كلها، وكل هذه التجهيزات المعقدة والمستوردة، وكل هذه البعثات الخارجية للتخصصات الدقيقة؟.
ويبقى سؤال أخير: لماذا تكون عند طبقة من المواطنين شبه حصانة ضد المساءلة والتدقيق فيما يقولون ويفعلون عندما يضفون الشرعية الدينية على ممارساتهم، ثم يغضبون عند مطالبتهم بالإثباتات والبراهين؟.
لقد وقفوا ضد تعليم البنات ثم تبنوه وتولوا مسئولياته ردحا من الزمن، وحرموا الراديو والتلفزيون والفضائيات ثم تبوأوا منصاتها وشاشاتها بالعرض والطول.. فهل يا ترى يحاولون أيضا استلام المسئوليات الصحية ليكتشفوا لاحقا أنهم على خطأ؟.
اللهم أنت الذي أمرتنا بطلب العلم والأخذ بأسبابه فأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، إنك على كل شيء قدير.