لم يكن أمام وزارة التربية والتعليم لضمان خلو أذهان المتقدمين للوظائف التعليمية من الأفكار الضالة والمتشددة إلا إجراء التقليد الإداري العريق في القبول الوظيفي، وهو (المقابلة الشخصية). وهي مجموع الأسئلة التي توجه للمتقدم للوظيفة، لاستكشاف كفاءته واختبار معلوماته، وقد تكون عشوائية أو انتقائية، لا تخلو ربما من ظرف وتعالم أحياناً، وهذا التقليد بمفهومه وتطبيقاته السائدين، قد لا يغني في استظهار قدرات طالب الوظيفة، أو تقدير مدى جدارته، فما بالك وهو يروم هنا معرفة أفكاره وقناعاته واكتشاف منطويات ضميره.
فالقناعات الفكرية والموقف من القضايا، مهما كان شذوذها وخطورتها، أو سلامتها وتوازنها واستقامتها، لا يمكن اكتشافها بتلك الطريقة، فهي تتسرب بطريق مباشر أو غير مباشر في تضاعيف ممارسات الإنسان وأقواله وآرائه. والشاذ منها يملك صاحبه من الذكاء والدهاء الفطريين؛ ما يمكنه من مواراته وإخفائه، واقتناص الفرص لتمريره، وصاحب الفكر(الأيديولوجيا)لا تعوزه الوسائل ولا الفرص التي يستطيع من خلالها إشاعة أفكاره والدعوة إليها وضخها في أذهان المنصتين المنيبين إليه.
الضمان الأكيد -بعد إرادة الله - ليس ب(المقابلة الشخصية)، التي جربنا تدني فاعليتها في القياس وخيبتها في النتائج، حتى في الكفاءة في التخصص المهني، والجدارة العلمية والعملية.
والأفكار والمواقف، ليست كائناً ثابتاً لا يتحرك، بل الإنسان تراكم وتحولات وتغيرات في أفكاره ومعتقداته، وانفعالات وتقلبات وتطورات وانتكاسات في عواطفه وميوله واتجاهاته. ولكي نُنقي مؤسساتنا التعليمية من العناصر الشاذة والضَّالة والمضِّلة؛ فالأمر بحاجة إلى رقابة صارمة، ولائحة عقوبات واضحة وجادة، والتزام وإلزام بمحدداتهما. وقبل ذلك منهج دراسي يؤسس لثقافة العقل والاعتدال، ويغرس في الطالب القيم الإنسانية المشتركة للتعايش والحياة أولاً، وتحصينه ضد الاختراق والاختطاف، - أو رفع مستوى مناعته ضدها على الأقل- ثم القيم والمبادئ الدينية، بعيداً عن الإفراط في الحشو والإثقال في الكمية. وربط الطالب بواقع الحياة وبالناس والعالم. وتعليمه وتربيته على قيمة الإنسان وقيمة الوطن والعمل، وتكريس قيمة المشتركات التي تربطه بالآخرين. وملاحظة من يتجاوز هذه الأطر والمبادئ إلى غيرها.
كان من تبعات عمل المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين أو المنتمين له، وفكرة الأمة....، في مدارسنا، وشراكتهم في اختيار وصياغة مناهجنا التعليمية، جر أبناءنا إلى شرك الأمة وقضاياها وحروب المسلمين وأزماتهم وبأسهم الدائم بينهم، وفضيلة الموت وثقافته، وأفضليته على الحياة وشروطها.؟!
أبناؤنا بحاجه إلى ترسيخ العقيدة الوطنية في نفوسهم. وتعظيم قدر الوطن، والمحافظة على مقدراته ومكتسباته. وإعلاء شأن العمل والحياة ومقتضياتهما. ومن مبدأ كهذا يعي الطالب معنى الإحساس والوعي بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو....، وليس المجازفة في الدخول في مشاهد الاحتراب والشقاق والنفاق في مشارق الأرض ومغاربها.
أبناؤنا بحاجه إلى معرفة الأولويات والالتزام بها تربيةً وتعليماً وممارسة، وعن وعى وقناعة. ومعرفة حدود واجبهم تجاه أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم، ثم تجاه الآخرين.