يخيّل إلي أنّ القبيلة بمفهومها الاجتماعي الذي نعرفه، إحدى معوقات المجتمع المدني الذي ننشده, باعتبارها حالة انكفاء ذاتي ذي نمطية فكرية ضيّقة، تأبى الانخراط في عالم المجتمع المدني بمؤسساته ونظمه وأدبياته المتقدمة، وفي زمن كزمننا، زمن العولمة، والتكتلات الكبرى التي تصنعها الحكومات لمواجهة غوائل الغد القادم, والذي لا مكان فيه إلاّ للأقوياء, والمؤمنين بالوحدة والاندماج في الكيانات العملاقة، من هنا كان خلافنا مع الفكر القبلي، إذ لا زال البعض منا يؤمن بحق (القبيلة) في تشكيل وعيه، وثقافته، وعلاقته بالآخر. هذه الترسُّبات (الماضوية) هي إحدى علاتنا التي لم نستطع الفكاك من ربقتها كمجتمع ينشد التقدم، والتحديث، ولعل انتشار القنوات الفضائية التي تمجد القبيلة وتتغنّى ببطولاتها ورجالها قد ساهم بقدر أو بآخر في إذكاء ثقافة القبيلة والمناطقية، وفي ظني أنه ما لم نسارع في نبذها والتنبيه إلى خطورتها، فإنّ علينا أن نتوقّع تشظياً في بنيان المجتمع السعودي الذي لا زلنا نصر على خصوصيته بين المجتمعات الأخرى, لقد كان الفخر بالقبيلة مفهوماً جاهلياً بائداً فرضته ظروف معيّنة وقتها، فلم يكن هناك كيان موحّد للعرب تذوب فيه هذه القبائل، بل كانت تعيش صراعات فيما بينها، وحين ظهرت الدولة الإسلامية التي أذابت الفوارق، نبذت (القبلية)، وعدّت الافتخار بها (من الجاهلية)، وجاءت بمفهوم جديد يقوم على المساواة، وأنّ المقياس هو التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، المهم لدينا الآن، وقد دلفنا إلى بوابة القرن الواحد والعشرين، أن نراجع أخطاءنا، وعاداتنا القديمة، بحيث لا يسيطر انتماؤنا القبلي على انتمائنا للوطن بكل قبائله ومكوّناته وترابه، وفي تقديري الشخصي أنّ نبش «أمجاد القبيلة»، وسرد بطولاتها، والتغنِّي بأعمالها الغابرة، فيه خطورة أكيدة على الوحدة الوطنية، ولا يساهم في إيجاد المجتمع المدني الحديث، والقائم على إلغاء الفوارق بين الناس، عن طريق نشوء مؤسسات مجتمعية فاعلة تؤمن بالكفاءة وحق الإنسان في العيش الشريف. لست ضد القبيلة كحالة اجتماعية توارثناها عبر تاريخنا الطويل، فنحن شئنا أو أبينا أبناء لتلك القبائل الأصيلة, ولكنني ضد أن تكون نداً لهذا الوطن العظيم الذي أسّسه صقر الجزيرة الملك (عبد العزيز) وانصهرت فيه كل القبائل والأقاليم، فالوطن فوق الجميع، والفخر الحقيقي لأي منا ليس بانتمائه القبلي أو المناطقي، بل بقدر ما يقدمه لخدمة هذا الوطن والدفاع عنه، الفخر الحقيقي للساهرين على حمايته، وللعاملين بإخلاص من أجل وطن قادر على أن يوجد له مكاناً بين الأمم المتقدمة، حفظ الله بلادنا من كل سوء!
alassery@hotmail.com