إذا كان لديك مشروع صناعي متميز، وتقدمت إلى هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن) بطلب لتخصيص أرض صناعية، فهنالك فرصة كبيرة أن تتلقى طلباً للقاء مسؤول في الهيئة لمناقشة طلبك. ويجب ألا تُفاجأ إذا علمت أن هذا المسؤول ليس إلا المدير العام للهيئة بنفسه الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، ويجب ألا تُفاجأ أيضاً عندما تجلس إلى الرجل فتجده يجلس إليك بكل تواضع وأدب ليحدثك عن مشروعك وكأنه شريك لك أو مستشار؛ إذ تجده يسألك من أين ستشتري المعدات، ومَنْ هو الاستشاري، ومَنْ المقاول، ومن أين الطاقة وو..؟، وخلال كل ذلك يُسدي إليك نصائح ثمينة، ويرشدك إرشادات مهمة، من خلال خبرته الغنية. وفي نهاية اللقاء تجده يقف لك باحترام ويشدُّ على يدك ويعدك بتقديم كل أنواع المساعدة المطلوبة، ويتمنى عليك ألا تتردد في العودة إليه من جديد كلما دعت الحاجة إلى ذلك. مختتماً اللقاء بجملته المشهورة: «إذا كنت جاداً فالهيئة داعمك الأول». وهو أمر ستجده لاحقاً حقيقة تتمثل لك فعلاً.
لن تُفاجأ من كل ذلك إذا علمت من هو هذا الرجل؛ فهو ينتمي إلى أسرة عُرف أهلها بالأصالة والشهامة، ثم بحبهم المتأصل للعلم وتعلقهم بالمعرفة؛ فلأفراد هذه الأسرة الكريمة بصمات في مختلف المشارب العلمية، سواء أكانت في الطب أو الهندسة أو الإدارة... والدكتور توفيق بن فوزان الربيعة لم يشذ عن هذه القاعدة عندما تمكّن في هذه السن المبكرة نسبياً من تحقيق إنجازات علمية ومهنية رفيعة.
فعلى الصعيد العلمي: حصل على درجتَيْ ماجستير ودرجة دكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى قيامه بالتدريس في جامعة الملك سعود وكتابته العديد من الأبحاث العلمية المحكمة. أما على الصعيد المهني: فهو عضو بعدد كبير من اللجان الوطنية، وتسنم عدداً من المناصب الإدارية الحكومية المختلفة.
اليوم، وأثناء متابعتي لحفل افتتاح صناعية سدير، قلت في نفسي إن التوفيق قد حالف ولاة الأمر - حفظهم الله - عندما وقع اختيارهم على الدكتور توفيق الربيعة لقيادة سفينة المدن الصناعية ومناطق التقنية.
فلو علمت أن حجم الأراضي المخصصة للمدن الصناعية، التي هي تحت إدارة الهيئة، يبلغ نحو (550) مليون متر مربع، لعلمت أهمية وخطورة هذا المنصب؛ فهذه المساحة تعادل مساحة دولة مثل مملكة البحرين، ومن المفترض أن تؤمّن عند اكتمالها ما لا يقل عن مليونَيْ فرصة عمل. وبذلك، يمكن القول إن هيئة المدن الصناعية تشكّل محوراً أساسياً في بناء مستقبل المملكة على المديَيْن المتوسط والبعيد؛ فالعالم اليوم عالم صناعي، والمعيار الأهم لقوة الأمم في العصر الحاضر يرتكز بشكل أساسي على قوتها الصناعية. وإذا كان توافر الأرض الصناعية بخدمات متكاملة وبتكلفة منافسة هو العنصر الأساسي لنجاح الصناعة وتطورها فإن إدارة حكيمة للمدن الصناعية شرط لازم لنجاح خطط المملكة في تطوير قطاعها الصناعي.
إن المتابع لعمل هيئة المدن منذ تولي الدكتور الربيعة لرئاستها ليلحظ وجود حركة دؤوبة للهيئة في كل الاتجاهات: فمن تطوير للبنية التحتية للمدن القائمة، إلى حركة جادة في تطوير أراض جديدة بمساحات كبيرة لتيسير الحصول على الأراضي الصناعية للمستثمرين (التي نتج عنها زيادة المساحة المخصصة للصناعة بنسبة 60 % مقارنة بما تم تطويره في الأربعين سنة الماضية)، إلى عقد اتفاقيات مع الجهات الحكومية وشبه الحكومية المرتبطة بدعم الصناعة، مثل الاتفاقية المنعقدة أخيراً مع البنك السعودي للتسليف لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يفترض أن توفِّر 60 ألف وظيفة وأكثر من 600 مصنع.
وهذا في الحقيقة غيض من فيض؛ فالحركة في هيئة المدن سريعة ولا تتوقف عند محور واحد، بل لا نبالغ إذا قلنا إن كل مفاصل الهيئة، سواء أكانت التشريعية أو الإدارية أو الفنية أو التنفيذية على السواء، تتحرك في وقت واحد بتناغم فريد وكأنها بكرات متشابكة بعضها ببعض بإحكام. ولست هنا بمعرض سرد للأنشطة والمنجزات التي تحققت في هيئة المدن خلال الفترة القريبة الماضية، ولكني إنما أردت أن أسجّل ملاحظة شخصية على الروح الإيجابية في التعامل التي بدأت تطغى مؤخراً على تعامل هيئة المدن الصناعية مع الصناعيين، والتي يلحظها كل متعامل مع الهيئة، وهو في الواقع أمر متصل بشخصية الدكتور الربيعة الذي يحمل نظرة إيجابية للقطاع الخاص؛ فقد عمد الدكتور الربيعة إلى التعاون الإيجابي والمباشر مع القطاع الخاص، واتخذ خطوات شجاعة نحو إقامة شراكة استراتيجية متكاملة معه، سواء أكان ذلك من خلال عرض العديد من الفرص الاستثمارية على القطاع الخاص بنظام (BOT)، أو من خلال عروض استثمارية أخرى متنوعة مفتوحة للقطاع الخاص للمساهمة في تطوير أداء المدن الصناعية بما يحقق طموح المستثمرين الصناعيين، بل لقد فُتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص للمساهمة حتى في توفير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وخلافه. وإذا جلست إلى الدكتور الربيعة لسمعت آمالاً وأحلاماً عريضة لو تحقق جزء صغير منها لكانت الصناعة في هذا الوطن الحبيب في خير عميم: فمن مدن صناعية ذكية، إلى مصانع نموذجية جاهزة تمكّن المستثمر من مباشرة العمل بشكل فوري، إلى دعوات للاندماج أو الاستحواذ، إلى مشروع لتمليك المستثمرين للأراضي، إلى تنمية الصناعة في المناطق المحرومة للحد من الهجرة للمدن وتوفير وظائف محترمة للآلاف من شباب الوطن.
وبعد، فإن مملكتنا الحبيبة زاخرة بالشخصيات الوطنية الغيورة على مصلحة الوطن، التي تعمل بصمت، وتساهم في البناء والتنمية، كلٌ في موقعه. وأحسب أن الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة - ولا أزكي على الله أحداً - هو واحد من تلك الشخصيات، وأرى أنه من واجبنا أن نقف احتراماً للدكتور الربيعة ولغيره من المخلصين ونبرز سيرتهم ومآثرهم للناس؛ ليكونوا أمثلة تُحتذى ورموزاً يُقتدى بها. وهو أمر نجتهد في لجنة شباب الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض أن نحققه من خلال اللقاءات الدورية التي نعقدها لنبرز سيرة الأشخاص المخلصين الذين يجتهدون في عملهم لرفعة وطننا الحبيب وتنميته. وأحسب أن الدكتور الربيعة من خيرة من يجب على شبابنا اتخاذه قدوة ومثالاً.
(*)عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض - رئيس لجنة شباب الأعمال