مؤلمة تلك الحركة المعاكسة للمشاعر بين الرجل والمرأة بعد مرور سنوات على الزواج، فتراها هي تزداد رومانسية وتفيض حباً وتخترع أساليب جديدة للجذب والحب وترسل إشارات وتلمح وتصرح أنها بحاجة إلى الحوار والعاطفة والاهتمام، تلح بأسئلتها وتتسول طلباً للحب.. هل مازلت تحبني؟؟ هل مازلت فتاة أحلامك؟؟.. الخ.
تتفنن في توسل العاطفة, في إطلاق سراح الكلمة الجميلة منه, في إثارة إعجابه, فتجدها تطبخ طبقاً لذيذاً حيناً وتقص وتلون شعرها أحياناً أخرى أملاً في لفت انتباهه لها وفي إطراء رقيق منه يمنحها الثقة ويشعل فتيل الحب والسعادة من جديد.
هو.. لا يفهمها ولا يستوعب احتياجاتها، يتجاهل إشارتها ويحبط محاولاتها ورغبتها بكلمة جميلة، بلمسة حنونة، بإطراء مباغت ويعتقد أنهم كبروا على ذلك. فتمر السنين.. ويمرر الزمن توقيعه على وجه وجسد وروح تلك الزوجة اللاهثة خلف زوجها، فيضيع العمر وتصبح الحياة تحت سقف واحد تحصيل حاصل أو ضرورة من أجل الأطفال لا أكثر.. بل وقد يصبحون غرباء عن بعضهم يجمعهم المكان والأبناء: نعم! ولكن يفرقهم ألف سبب وألف حاجز لا ينصهر ولا ينكسر بل يزداد ارتفاعاً وسماكة مع مرور الأيام، فتمزقهم الوحدة ويقتلهم تجمد المشاعر ويبقى الأبناء ضحايا لهذه المعركة الصامتة وتلك الحرب الباردة التي لا بد أن يكون بها جرحى وإصابات وضحايا كأي حرب أخرى، فيعتقد الابن والابنة أن هذا هو (الزواج)!.
فكثيرات من النساء مجبرات على هذا الواقع حيث لا خيار آخر على الطاولة! (فتطنّش) فكلفة فض الشراكة باهظة الثمن في معظم الأحيان، فتقضي الحياة إما تجرجر أوجاعها وإما تخبئ رأسها كالنعامة، فالاعتراف بأنها أساءت الاختيار قاس وجارح لكبريائها، وهنا تبدأ حفلة «ترقيع» لا تنتهي لمحاولة تذكر محاسن الزوج ومحاولة نبشها بصعوبة من كومة السلبيات، وتبقى الطريقة المثلى للترقيع هي بالمقارنة بمن هم أسوأ وبمن يمر بظروف أصعب وأقسى.
قد يعتقد الكثير أني أبالغ، أغالي وأضخم الحقائق ولكن الواقع كذلك! فليس كل زوجة تضحك هي سعيدة وراضية بذلك الزواج الاسمي!!
وليس كل زوجة قادرة على أن تعلن مأساتها من تجاهل زوجها لها أو أن تصرح بأنها متعبة من الداخل بسبب حب مجنون انطفأ ومات.
ينتشر اليوم في المجتمع السعودي هذا النوع من الارتباط الشكلي فقط.. فكل غارق في عالمه وحياته الخاصة، عمل، مناسبات اجتماعية، ووسائل تسلية وترفيه كثيرة أهمها السفر المليء بكيماويات النسيان المؤقت.
هي بعد محاولات تبوء بالفشل لانتشال الزوج من استراحات وسفرات لا تنتهي لابد لها أن تنسجم مع واقع جديد فتبدأ بخلق عالمها الخاص وكل شيء من شأنه مسح ذاكرتها وذكرياتها المتعلقة بالزواج.
فقاعة ضخمة من الكذب والخداع للنفس تعيش داخلها آلاف حالات الزواج.
في الغرب هم أفضل وأصدق منا في كثير من الأمور حيث لا مجال للكذب أو المجاملات حتى على مستوى العائلة.. في الغرب, الزوجان واضحان, ينفصلان والعائلة تتفكك وتتشتت, أما عندنا فالعائلة رائعة متماسكة وقائمة على الأسرار على الخفايا والبلاوي على ظهر امرأة ممسوحة ومضحية، وكل ذلك حتى لا يقال إنها مطلقة وما يتبع الطلاق من إشاعات ونميمة تطبخ على نار ساخنة.
أيها الرجل الزوج.. الذي تعتقد أن الحب مرحلة وتنقضي وأن للعاطفة عمراً افتراضياً ينتهي حين تنجب زوجتك أطفالاً, أقول.. إن تلك المخلوق الجميل الذي خُلق من ضلعك بحاجة أن يشعر أنه محل اهتمام وتصرفاته موضع تقدير واحترام منك، وقد وصف الله تعالى الزواج بالمودة والرحمة، إنني لا أستجدي منك عواطف، ولا أحاول أن أثير شفقتك على زوجتك بل إني أريدك أن تعرف أن عدم شعورك بالحنان وعدم إصابتك بالحب هو عقاب إلهي مؤلم لك، أريدك أن تتأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف كان تعامله مع زوجاته، أخشى أن تجد نفسك يوماً وحيداً في صقيع بارد بلا ذكريات تدفئك ولا امرأة تحييك بعد أن حطمتها.
أخيراً.. أذكّر أني لا أعمم وأعلم جيداً أن هناك في المقابل نساء قابلت المعروف بالإنكار والعطاء بالجحود ولكني أردت من خلال هذا المقال أن أكتب معاناة جمع كبير من النساء وأسردها بتفاصيلها المرة.. وأعتذر لكل الرجال (القدوة) الذين أحبوا المرأة وبادلوها اهتمامها مزيداً من الغرق في الحب والاحترام، أعتذر لذلك الذي يؤمن أن إظهار مزيد من العشق والتعبير بالكلمة أو اللمسة لا يلغي رجولته بل يزيدها.
ولكل من كانت زوجته مبرراً منطقياً لإنهاء الزواج بسبب تجاهلها وإهمالها وسطحيتها وتكبرها وتسلطها وبرودها وعدم تقديرها لما تملكه, على الرغم من أن الزوج كان حاضراً من أجلها حنوناً وقريباً منها يساندها ويواسيها ويحميها.
لهؤلاء أقول كم نحن بحاجتكم لنحيا في عالم أفضل، عالم أكثر عدلاً وإنصافاً وسعادة.
***