لا تزال بعض العقول تظن أنها بلغت من العلم كماله ومن المعرفة منتهاها ولا تزال تلك العقول ترزح تحت وطأة الغطرسة والفوقية وهي تعتقد أنها وصلت إلى مرتبة الشرف في معرفة كل شيء وحصدت كمال التجربة واختزنت كمال الخبرة.
تلك هي نظريات لا شك خاطئة والحقيقة الصحيحة أن الإنسان مهما بلغ من الكبر لا يزال يتعلم ومهما بلغ من العلم لا يزال يتطلع للمزيد من المعرفة وليس كل من وصل إلى درجة علمية عالية أصبح يفقه في كل العلوم... وفي ميدان الإعلام يظل العاملون فيه بحاجة إلى المزيد من التواصل مع الاطلاع والمعرفة والقراءة وإلا سيظل الإعلامي قاصراً في فهمه للعملية الإعلامية التي تتطور بأساليبها وتقنيتها السريعة وآلتها المتسارعة.. وقد حضرت اجتماعاً في عنيزة ضم عدداً من المثقفين والوجهاء وأصحاب الحل والعقد وقد خصصت الجلسة للحديث عن الإعلام ولأنني أصغرهم سناً وأحدثهم تجربة في الحياة فضلت الاستماع فقط دون الإدلاء بكلمة واحدة إلا أنني أظن بأن هناك من تحدث بعشوائية عن الإعلان والصحافة حتى اختلطت الأوراق وقد تمنيت لحظتها أن يكون بيننا متخصص في الإعلام والصحافة ممن وهبهم الله علماً راسخاً في ميادينها ليفصل في الأمر ويضع النقاط على الحروف.
لقد اختلطت أوراق العقول بين ما ينشر في المنتديات من سباب وشتائم وألفاظ سوقية لا يقبلها المثقف الواعي وما ينشر في الصحافة الورقية بكل هدوء ورزانة وتعقل وقد انقسم الجمع الحاضر إلى فرق وجماعات كل يفرض فكرة ويرسم خطاً يرى أنه صحيح.
إنني أتمنى من العقلاء أن يفرقوا بين ما ينقل في الصحافة المطبوعة وما ينقل في الإعلام الإلكتروني فالإعلام الإلكتروني وبالذات في عنيزة أصبح التشفي موجوداً والأخطاء القاتلة تلامس الحياة بوضوح.
لقد أصبحت الصحافة اليوم تعيش نقلة مهمة لا مجاملة فيها ولا استحياء تنقل هموم الناس وتتحدث بواقعية عن حاجاتهم متجردة من الأهواء والميول والنزوات ومن نصب نفسه مدافعاً عن الأخطاء والأغلاط فإنه يكشف سوء نواياه ولن يجد له قبولاً في المجتمع بعد أن أعيته الحيلة في الوصول إلى مأربه أو أن يتسنم هرم الإدارة وتاهت من بين يديه فرص الوجاهة والقيادة الإدارية.
الصحافة لابد أن تعايش الواقع بكل تجرده ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة حيث قال: (لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها) وقياساً على ذلك لو أن شخصاً من الوجهاء أخطأ وحاد عن الطريق فإنه سيجد من الصحافة منصفاً يعيده إلى صوابه ولعل أحداث سيول جدة خير شاهد على ما نقول وقد نقلت الصحافة فيها الحقيقة كاملة بتجرد ومع ذلك احتفظت جدة بقامتها ورونقها فهل نعي وندرك.
ص.ب 631 - الرمز 51911 عنيزة