الذاكرة الإنسانية.. وبالذات في منطقتنا العربية تختزن الكثير من المواقف العنترية لبعض الأنظمة التي انتهت نهايات كارثية.. لا يزال ما خلفته من آثار سلبية وأفرزته من تحولات وصلت إلى حد التغيُّر الجيوسياسي قابعاً، فعنتريات عام 1967م، وغفلة جيوش الأنظمة أوجدت نكسة (67) التي لا تزال الدول العربية تعاني من آثارها.. ومن احتلال إسرائيل الذي إذا لم يُعالج سيؤدي إلى ضياع كامل فلسطين.
عنتريات نظام صدام حسين.. وكيف أدى غرور رئيس النظام آنذاك.. وتضخم الذات بعد النهاية العسكرية للحرب العراقية - الإيرانية التي اعتبرها النظام آنذاك انتصاراً للقوة العسكرية العراقية التي نمت وتضاعف عدد أفرادها ومعداتها واكتسبت خبرة قتالية بسبب استمرار الحرب أكثر من ثمانية أعوام، وتطور الصناعات الحربية العراقية.. وهذا ما جعل النظام يندفع أكثر فأكثر إلى تحدي القوى الدولية.. ومنها ما كان السبب في تصديه لنظام إيران ودعمه عسكرياً وسياسياً.
القراءة الخاطئة لأسباب نمو القوة العسكرية والمتغيرات السياسية التي أعقبت توقف الحرب العراقية الإيرانية جعلت النظام العراقي آنذاك يخرج بنتائج خاطئة دفعته إلى الاندفاع أكثر فأكثر في تضخيم الذات والغرور المُبالغ فيه من خلال استعراضات القوة والادعاء بتطوير أسلحة متقدمة لم تكن في الحقيقة سوى تحوير لصناعات حربية استوردت من الصين وكوريا الشمالية، وحتى من الأسلحة الروسية القديمة كصواريخ (سكود) التي أصبحت تُسمى صواريخ (الحسين) بعد أن قللت أحمال الرؤوس التفجيرية وتوسيع سعة خزانات الوقود ليصبح مدى الصواريخ أبعد، ولهذا كانت صواريخ سكود تصل إلى أهدافها دون أن تحقق الدقة.. مع قلة تأثيرها لضعف المادة التدميرية بعد تقليل مواد التفجير.
هذا الاندفاع الفاضح للغرور السياسي والعنتريات العسكرية لنظام صدام.. جلب البلاء والمشاكل للنظام نفسه، وللعراق، فقد أدى تضخم الذات والغرور إلى غزو واحتلال الكويت.. وأوصلت (عنتريات) النظام إلى التخلص منه، وتدمير البلاد التي يحكمها.
هذه الحالة المعروفة لمصير نظام بغداد، وحالات السقوط المريع في عام 67، تستعيدها الذاكرة الإنسانية في المنطقة.. وهي تتابع تصاعد تضخم الذات العسكرية لدى ملالي طهران، وتنامي الغرور لدى القابضين على إدارة المؤسسات العسكرية الإيرانية، وبالذات الحرس الثوري الذي كثَّف من استعراضات القوة بإجراء المناورات التي يحرص فيها على عرض أسلحة تُصنف عسكرياً كأسلحة تخريبية، وهي أخطر الأسلحة الهجومية التي لا تستفز القوى العسكرية التي تهدد مصالحها فحسب.. بل تدفعهم دفعاً للدفاع عن وجودهم ومصالحهم.. فقد دفع غرور وتضخم الذات العسكرية لدى نظام ملالي طهران إلى تجاوز المسموح الذي تمتع به نظام صدام، وعندها سيكون المصير مشابهاً، لأن عنتريات واستعراضات القوة الناتجة عن تضخم الذات العسكرية المبنية على الغرور الكاذب لا يُمكن أن تُؤثر على قرارات مبنية على إستراتيجيات مدروسة وغير مخادعة كتحوير أسلحة مستوردة ونسبها للمؤسسة العسكرية للملالي الذين يقودون إيران إلى مصير لن يختلف كثيراً عن المصير الذي وصل إليه نظام صدام العراق.
* * *