Al Jazirah NewsPaper Friday  23/04/2010 G Issue 13721
الجمعة 09 جمادى الأول 1431   العدد  13721
 
رحمك الله يا أبا فوزي

 

تحجرت الكلمات.. ولم أستطع أن أتمالك عباراتي التي تلاشت.. نعم لقد أسهبت في الكتابة والتعبير لإظهار ما يجيش في أعماقي من حزن من هول ما أعانيه من فراق من أحب وأسمو به فخراً يرفع هامة عصري.. لأقول للأجيال القادمة إن سلبيات عصري فيها إيجابيات عظيمة بمن أفاخر وأباهي به وأعتز.. نعم أقسم بربي إنني منذ أن تلقيت خبر رحيله عنا.. وأنا أصارع في سبيل أن تخرج كلمة أُعبّر بها عن خلجات نفسي.. لم أستطع.. فالحدث أكبر مما سأقول.. هامة تعلو في الحياة لا ترضى أن تخفض الرأس ولا تحيد عن القمم العليا والشموخ في القول والعمل.

حينما نقول: (شيخ).. وهي مفردة انتشرت في عصرنا.. جلها يفتقر الجوهر ويتمثَّل بالمظهر.. فإنها بمعناها الحقيقي صفة تعني القول يسبقه الفعل.. وحينما تسبق الأفعال الأقوال تزهو الأمم برجالها وقممها.. فكان الشيخ محمد بن منوخ بن دعيجاء أحد أولئك القمم فعلاً وقولاً.. كنا حينما تضيق بنا المجالس التي تتوق لرجالها.. كان شيخنا ينهض برؤوسنا عالياً في فعله الذي كان يترجم القول.. كان موروثاً عظيماً يشمخ بالفعل.. وأسطورة بيننا في زمن ندرت فيه الأفعال.. وسيطرت فيه السلبيات.. وأخرس أفواه الواقع.. أيها السادة: حزننا لا يقتصر على أيام العزاء الثلاثة.. لأننا افتقدنا صورة عظيمة من أعظم الصور السامقة لماضٍ كان الشيخ محمد منوخ أبهى صورة له.. أيها السادة أعود وأقول إنني افتقدت كلماتي التي كنت أملكها.. اعترف لكم بعجزي وهزيمتي أمام جيوش الحزن التي تنتابني وتلبس أعماقي في فقيدي وقدوتي ونبراس فخري (أبو فوزي)..

حينما كنا نتكئ على عمود الفخر ولم نره.. فلا تعجبوا من دموع الرجال حينما تنهمر كالمطر.. ولا تدهشوا حينما نفتقد حدود الصبر وقوة العزيمة وحدود السلوى حينما ننهار كالأطفال حين يفتقدون أباهم.

أسأل الله جل وعلا لك يا شيخنا الغالي محمد بن منوخ بن دعيجاء الرحمة والمكانة العالية من الجنة.

أشهد لك سيدي بخطوات الفجر حينما كنت مريضاً قبل سنوات.. وأنت تخطو للمسجد قبل أن ينادي المنادي لصلاة الفجر.

كنت صديق المسجد.. مثلما أنت صديق المعتازين والمحتاجين.

أشهد لك سيدي الشيخ أنك رمز التواضع في حضورك لكل من دعاك لفرح أو مناسبة..

لم تكن سيدي تسأل عن مكانة الداعي لتهرول زهواً. بل إنك كنت تنشر رسالة التواضع بنمط مختلف وتؤسس مدرسة للتكافل الاجتماعي دون تمييز أو انحياز أو تخصيص تقطع من أجله المسافات وتهدر وقتك الثمين لتزرع الابتسامة في أفواه الغير.

كنت أنت سيدي الشيخ ابن دعيجاء علَماً تقتدي به الأعلام.. وتُنار بسيرته السبل.. وتعلو بأفعاله الأجيال.

كنت محباً لدينك ومليكك ووطنك.. كنت وفياً يقتدي بوفائه الأوفياء.. كنت وطنياً تُعلِّم الأجيال حب الوطن.

علمتنا أن للأسس مقاساً ونظماً هي الأفعال التي لا ترتجي في حياتها ثواباً.

سيدي الشيخ: حينما ودعك يوم رحيلك آلاف مؤلفة لم نستطع حصرها ولا تبيان شرائحها.. كنت شامخاً في حياتك عالي المكان -بإذن الله- في رحيلك.. غصّت الحناجر وجفت المحاجر.. والحزن باقٍ يزداد بذكراك..

اللهم يا من تُعطي بسخاء نسألك أن تخفف مصابنا.. وأن تلهمنا الصبر والسلوان.. وأن تثلج قلوبنا الثكلى.

أن تجيبنا بكرمك ورحمتك بغفرانك لفقيدنا.. اللهم إنه كان بيننا عزيزاً من الأخيار.. فأعزه بمسكن الأبرار والعظماء عندك يا الله. اللهم مجيب الدعاء.. لا تخيّب رجاءنا وتوسلنا أن ترحم عبدك حبيبنا الفقيد الشيخ محمد بن منوخ بن دعيجاء.

اللهم إنك وعدت وأنت الوفي بوعدك.. أجب توسلنا برضاك ورحمتك له يا الله.

(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)

سليمان الأفنس ملفي - رئيس اللجنة الثقافية بطبرجل



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد