مع أنني سمعت عن منهج للتربية الفنية قامت به وزارة التربية والتعليم واعده نخبة من المعلمين المختصين بهذه المادة، ومع أن المنهج جاء متأخرا كثيرا عن ركب تطوير التربية الفنية عربيا وعالميا، ومع أننا لم نحظ أو يحظ غيرنا من الإعلاميين المختصين بهذه المادة وبالفنون التشكيلية بنسخة منه لنسلط الضوء عليه ونعرف به لأولياء الأمور وللمجتمع بأنه أصبح لهذه المادة منهجا كغيرها من المواد، إلا أننا نأمل أن ينفع الله به ناشئتنا ويدلهم على سبيل الارتقاء بذائقتهم بعد ما مروا به من مراحل التلقين والتوجيه والأمر والمطالبة بإنتاج أعمال فنية وجد الطالب نفسه فيها منفذا دون وعي بما يعنيه هذا التنفيذ، مع أن في أسس تدريس هذه المادة أهداف كثيرة منها الارتقاء بالذائقة التي جعلناها موضوعنا اليوم، ومع ذلك ومع ما مر من أجيال على هذه المادة ومع كل الجهود المبذولة من الوزارة ومن إدارات التعليم، إلا أن هذا الهدف الأسمى والاهم لم ير منه شيء على سلوكيات بعض الطلبة، فالمدارس تشكو من قلة النظافة ومن العبث والتخريب بالأجهزة والأدوات وهذا يعود لعدم تربيتهم السلوكية التي تقوم التربية الفنية فيها بدور كبير ومهم، ففي الارتقاء بالذائقة بغرس القيم الجمالية في نفوس الطلية ما يجعلهم ينظرون للحياة بمنظار جميل وينشئ لديهم مسؤولية الحفاظ على كل ما هو جميل، فالتربية الفنية ليست فقط تنمية المهارات اليدوية بقدر ما تعني شحذ ملكات الابتكار والتصميم فقد يخرج منهم مهندسون ومصممون معماريون ومصممو إعلانات يجدون فرصهم في مجالات الدعاية والإعلان الكبيرة التي أصبحت ذات أهمية في كل مناحي الحياة الصناعية والتوعية.
لقد مرت التربية الفنية بالكثير من التراجع إلى أن هيئت لها السبل وخصص لها أقسام ومختصون من مشرفين أكاديميين تلقوا علوم وأصول التربية عن طريق الفن في جامعاتنا، ومنهم من حصل على درجات الدكتوراه من الخارج وهذا يكفي لان نطالب بالنتائج الإيجابية لهذه المادة، وقد كان لي موضوع سابق قبل سنوات مضت واجهت بسببه هجوما كبيرا من بعض مسؤولي التربية الفنية ونشر لهم رد كشف عدم فهمهم لما أهدف إليه وكأني مسست أمرا ما كما يقال (كاد المريب أن يقول خذوني)، فقد كنت أتساءل في ذلك الموضوع عن سبب تدني تأثير التربية الفنية على الطلاب وكنت وقتها اعني مستوى الأداء في الأعمال التي ينتجها الطلاب في أحد المعارض التي شارك بها مختلف طلبة وتلامذة المدارس الابتدائية والمتوسطة على مستوى المملكة، وكان السؤال (من المسؤول عن هذا التدني في مستوى إنتاج الطلبة؟) هل هم المعلمون بالمدارس أم المشرفين عليهم أم الجامعات والكليات التي خرجت بعض معلمين التربية الفنية ممن لا يحملون سوى المؤهل ويفتقدون الإحساس بالمادة وأهميتها نتيجة خلو الوفاض من الموهبة كأساس لتخريج معلم قادر على التوجيه من خلال ما يراه الطلاب في قدراته كقدوة تستحق أن يتأثر بها الموهوبون منهم، واليوم نعود لنطرح السؤال الأهم، ماذا سيقدم لنا هذا المنهج وما نصيب الارتقاء بذائقة الطلاب والناشئة؟، لنحظى بجيل يحترم ما يحيط به من نواحي الجمال وما يضاف إليه من جهود الدولة في الشارع وفي المنزل وفي المدرسة وفي سلوكه الشخصي.
إننا في حال التأكيد على هذا الجانب من خلال ممارسة الطلاب للعمل الفني نستطيع أن نكمل بناءه العلمي والجمالي، لكن الخوف ان يتم تجاهل هذا الهدف أو عدم فهمه من قبل المعلمين أو عدم توظيفه خلال الحصة والتأكيد على تنمية المهارات اليدوية فقط، فالهدف ينص على تذوق الطبيعة والفنون الرفيعة وإدراك العلاقات الجمالية فيها والاستمتاع بها. ولم يضف إليه حسب فهمي كلمة والحفاظ عليه فقد انتهت الجملة بالاستمتاع به، ومع ان الكلمة أو العبارة قد تكون في قلب المعلم كما هو المعنى في قلب الشاعر، فعليه ان يبرزها بشكل واضح وان يشرك التلامذة في المرحلة الابتدائية والطلاب في المرحلة المتوسطة بكل ما فيه من تقريب لمفهوم النظرة لجمال الحياة، وان تكون هناك حصص خاصة للتذوق الفني والجمالي ابتداء من اخذ رأيهم النقدي في أعمالهم وفتح آفاق ابعد بأن يستعرض المعلم مظاهر الحياة العامة والزوايا الجميلة فيها، وإحداث مقارنة بين ما كانت عليه المدرسة قبل دخول الطلبة أو ما جهزت به قبل بداية العام وما لحق بها من عبث وتخريب وليكن الفصل منطلقا للمقارنة، وصولا إلى الشارع والحي، ولا ننسى الملبس والمظهر للفرد باعتباره جزءا مهما من الذائقة في وقت أصبحنا نرى فيه شبابنا يقلدون الآخرين تقليدا أعمى ظنا منهم ان هذا من رقي الذائقة.
إننا في عصر لم يعد فيه فرصة للتفكير البطيء وانتظار النتائج اللاحقة بقدر ما نحن بحاجة إلى الديناميكية والتحرك والتفاعل مع الواقع والناشئة اليوم يكتسبون المهارات من مختلف السبل، ولهذا فنحن في حاجة إلى تقديم دور فاعل للتربية الفنية لنكون شركاء حقيقيين في بناء الأجيال القادمة.
monif@hotmail.com