Al Jazirah NewsPaper Friday  23/04/2010 G Issue 13721
الجمعة 09 جمادى الأول 1431   العدد  13721
 
نقطة تحول
علي خالد المطيري

 

رن هاتفي النقال في إحدى الليالي بعد انتهاء العيد.. نظرت إليه فإذا برقم مجهول (غريب) يطلبني.. رددت متسائلاً: ألو..؟!

إذ بصوت شاب يسلم ويسأل عني وعن أحوالي.. ثم عرف بنفسه.. هو أحد أصدقائي أثناء المرحلة المتوسطة، وهذا الاتصال بعد مدة غياب وانقطاع دامت أربعة سنيين وأكثر.. حينها طلب مقابلتي مع عدد من زملائنا -أقصد أصدقائنا- في ذلك الوقت.. فكان مرتباً معهم على أن نجتمع من جديد، وفعلاً لبيت طلبه (دعوته).

وفي إحدى الليالي إلتقينا في أحد المطاعم الراقية، كنا خمسة أصدقاء متقاربين في العمر.. جلسنا حول إحدى الطاولات وقررنا تناول العشاء، في البداية بدأت الأحاديث الروتينية عن حياة كل واحد منا.. وأيام الصغر والمرحلة الثانوية.. قال أحد الأصدقاء: ليتنا نعود صغاراً فلم نكن نحمل المسوؤلية.. ألعب وأنط وأشط وهناك من يفكر عني. وآخر قال: ليتني أعود صغيراً على الأقل بنات أقربائي كن يكشفن علي والآن لم أعد أستطيع الدخول لعماتي أو خالاتي مسرعاً أو دون استئذان.. ضحكنا قائلين: هذا كل ما يهمك؟ وآخر تنهد قائلاً: ألا ليت السنيين تعود للخلف قليلاً.. مشابهاً لأبيات الشاعر أبو العتاهية «ألا ليت الشباب يعود يوماً لأخبره بما فعل بي المشيب».. لكن أبو العتاهية حينما قالها كان كبيراً في العمر وتعب من الحياة وسنينها.. وأنت مازلت في أيام الصغر ولم تشق الطريق بعد في بداية التأهيل، ثم تحدثنا بعدة مواضيع مع إلقاء النكت كعادتنا نحن الشباب.. ثم فتح أحدنا موضوعاً عن ما الذي فعلناه بعد أن فرقنا القدر وأصبح كل منا يدرس بالمرحلة الثانوية والجامعية لوحده وخصوصاً التخرج وبدأ كل واحد منا بسلك طريقه، وهنا بدأنا نطرح على كل واحد منا سؤالاً حتى نعرف ماذا فعل كل منا بعد تخرجه وما يفعله الآن، وطرح السؤال على حسب ترتيب جلوسنا.. فوقع على أحدنا.. قال: أنا الآن أعمل على أوراقي للابتعاث للخارج.. فقد حصلت على مجموع يأهلني للابتعاث واخترت الدراسة بأمريكا. جميعاً إنبهرنا وأثنينا عليه وسألناه ما نوع التخصص الذي ستدرسه، فقال: الطب.

قلنا: هل تهواه وقادر على دراسته..ّ؟!

لا يعلم، ونحن لا نعلم لكن المهم أنه تخصص لا كلام عليه. وطرح السؤال على آخر فقال: أنا حصلت على وظيفة مرموقة في إحدى الوزارات بمرتبة جيدة وبعد مدة سأترقى.. ومرتبي أجمع منه لأشتري منزلاً بالتقسيط وأجمع مهر ابنة عمي التي سأتزوجها.

وآخر قال: أنا أدرس بالجامعة إدارة أعمال فوالدي ينتظرني أن أنهي دراستي ليوظفني في شركته.. ومن صغري أطمح أن أستلم العمل بدلاً أو مع والدي وأدير أعمالنا.

والأخير قال: كما تعلمون لم أحصل على نسبة تؤهلني للدخول للجامعة.. ولأني لم أجد عزيمتي أثناء الدراسة.. لكني أهوى الدراسة ولدي القدرة والطموح أن أكمل فأنقذني والدي وسجلني في أحد المعاهد على حسابه وأطمح أن أكمل بعد ذلك البكالوريس.

وبالأخير جاء دوري لأتحدث عن نفسي فماذا فعلت أو ماذا سأفعل.. ترددت في الحديث.. ماذا أقول؟؟ هل أقول حقيقة وضعي أني لم أحصل على مجموع ووالدي غير قادر على تدريسي على حسابه لقلة موارده المادية أو ليس لي رغبة في الدراسة ومنذ تخرجت لي سنة كاملة لم أعمل شيئاً.. وهل هذا كل ما في داخلي حقاً ولا أحمل أي طموح.. وبدون مقدمات انطلق لساني متحدثاً عن نفسي لأقول: أنا لم أحصل على مجموع ووالدي لا يستطيع أن يجعلني أكمل دراستي بحكم أن ليس لديه سيولة في تجارته (كذبة طبعاً).. ولكني أبحث عن وظيفة وسأجمع من مرتبها لأدرس على حسابي التخصص الذي أهواه.. كما أنني إذا لازلتم تذكرون من قبل أهوى ممارسة السباحة وأتمنى أن أشترك بمسابقات كبيرة لأمثل بلدي في المحافل وأكون مشهوراً.. والآن أنا مشترك في أحد الأندية المعروفة.. دعاءكم لي. إنبهروا مني وأحسست أنني الطموح والمكافح العصامي! وضع العشاء على الطاولة.. منوع ولذيذ بدأنا نأكل ونتسامر.. الأصدقاء يأكلون بشهية.. وأنا لقمة الطعام على مهلي أفكر في نفسي ومستقبلي، وما أن انتهى اللقاء وخرجنا من المطعم, جلست بسيارتي.. لم أحركها مباشرة.. أفكر في الكلام الذي قلته وكأنه الحل الذي أنتظره من قبل أحد يودني به ويشجعني على القيام به. ومن هذه اللحظة حركت السيارة انطلقت بها وأنا أستمع للأغنية التي تقول كلاماتها..( مابنكسر صابر.. ولو فرصتي تمضي.. والحظ لو عاثر بصنع أنا حظي)، ومع نفسي عازماً على تطبيق كلماتها وإن إنسد الطريق في وجهي.

هذه نقطة تحول أحد أقربائي ويكبرني بعدة أعوام.. حيث كان هذا الموقف مؤثراً على نفسه، تأثر وأثر به، والآن هو يعمل بمنصب مرموق ولديه أسرة وأبناء يشجعهم على التعليم, فقلت له حينها إن هذا يعود لروحك الحية.. فلديك إحساس وغيرة على نفسك.. كما أن لديك القدرة لكن لم تكتشفها وينقصك التشجيع.

هنا نعلم أن لكل منا نقطة تحول في حياته قد تغير من حاله للأحسن أو للأسوء.. لكن لنبحث عن التي تحسن من حالنا.. كما أن للأصدقاء تأثيراً على بعضهم والشاب الذكي الصالح يتأثر بالناجحين ويود أن يكون الأفضل.. والإمعة المسكين والذي لا يطمح لشيء يتأثر بالخاملين ويقارن نفسه بتجاربهم التي أقل منه بشيء بسيط، هذا كل شيء.. لكن ما سألتموني من دفع فاتورة عشاء الأصدقاء؟؟ لا طبعاً ليس قريبي.. جميعهم دفعوا.. نظام أمريكي.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد