إنك إذا استعدت بعض مواقف حياتك.. أو مشاهد من حياة بعض من تعرف.. ترى الأذى يتسلل إليك أو إليهم أحياناً دون سبب منطقي.. دون ذنب ارتكبوه.. أو جريمة فعلوها.
وتفتش عن السبب فتعييك الإجابة.. ثم إذا بك تفاجأ بعد تمحيص أن توفيقا تلقاه في تجارتك.. أو نجاحاً في عملك، أو سعادة في أسرتك، أو حسناً في هيئتك هو السبب.
نعم.. فالنجاح ومحبة الناس والتفاهم حولك قد يجلب لك الحسد والأذى.. وقد ينشأ هذا الحسد.. ويدبر ذلك المكر من أفراد لا تتوقع منهم السوء، بل ممن تتوقع منهم الحماية والحب.. قد يكون من عشيرتك الأقربين..
ولأن القرآن الكريم كتاب تربية واقعية يعلم الناس الحياة وإن فجعها الشر.. وإن طلبت المثل الأعلى.. لذا تراه يروي قصة يوسف عليه السلام لغرض عميق.. فأنت ترى إخوة يوسف يلقون أخاهم.. في الجب.. كيف أنزلوه؟.. كيف خدعوه؟.. وكيف سمحت لهم قلوبهم بتركه؟.. بل ألم يكن الجب بديلاً عن فكرة القتل التي راودت بعضهم؟
لا يجيبنا القرآن عن كثير من تلك الأسئلة؟
إنه يترك ذلك لخيالنا وتبصرنا.. لقلوبنا وعقولنا.. كي ترى هول ما حدث..
أليسوا أبناء نبي..؟؟ بلى.. وأخوة نبي.. حق..
ولكن.. إنه الحسد الهائل.. تلك القوة المدمرة.. تعبث في المدن فتحيلها أطلالاً.. وتضرب البيوت فتجعلها كأن لم تغن بالأمس..
إذن، فالقرآن لم يتركنا في تيه أثناء البحث عن المثل الأعلى وتحقيقه.. وإنما بصرنا لنعرف لأي مدى يمكن للبشرية أن تتدنى لنحسن تقدير حساباتنا والأشخاص من حولنا..
وليس لقائل أن يقول.. احذر عدوك مرة.. واحذر صديقك ألف مرة.. فنقيم بذلك مجتمعا للظنون.
لا: الإسلام لا يثير شكوكنا، وديننا لا يتركنا في هموم تصورات مجتمع مفترس..
ولكن يريدنا أن ندرس وأن نحلل وأن نتبين..
العدو ندرسه ونقدر عداوته.. فنستعد لمجابهته والدفاع عن أنفسنا..
والصديق لا نقوم صدقاته وأخوته إلا بعد اختبار وتمحيص.. تؤكده إجابات طرحتها أسئلة الحكمة الغالية لعمر رضي الله عنه.
أصحبته في سفر.. أعاملته بالدرهم والدينار؟ هل أنت جاره الذي يعرف مدخله ومخرجه؟
ولهذا جعل الله الجنة هي الدار التي لا غل فيها ولا حسد ووصف أهلها بقوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}..
هناك في جنة الله إخاء بلا غل..
وحب بلا حسد..