لقد انهمرت السماء على تهامة في أول شهر ذي الحجة مكونة أودية تهدر بالماء ويعلوها الزبد، متخذة طريقها إلى البحر، وقد غمرت ما مرت به من طرق وبيوت ومركبات مما ألحق التلف بالأنفس والممتلكات في مدينة جدة وفي غيرها من مدن الساحل الغربي، لقد تسببت سيول جدة في تشريد أسر وفقر أسر وقطع طرق بسبب عدم استثمار السيل، فالسيل رحمة وقد يتحول إلى نقمة عندما تسد طرقه فيتجه إلى البيوت محدثاً الخراب والدمار، وقد بادر خادم الحرمين الشريفين إلى تجفيف الدمعة، فغمر المتضررين بفيض عطفه مما أنساهم الفجائع وفقد المساكن والممتلكات، وقد تتابعت السيول على الساحل الغربي من تبوك إلى جيزان منذ كارثة جدة في الشهر الأخير من سنة ثلاثين وأربعمائة وألف هجرية إلى الشهر الخامس من سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف هجرية، وها نحن في أيام الشهر الخامس من السنة المذكورة نتابع أضرار السيول التي انهمرت على تهامة وجبالها الشرقية، لقد حظيت جبال السراة المطلة على تهامة بأمطار غزيرة جرت منها الأودية غرباً وشرقاً بحيث وصلت السيول إلى بيشة فألحقت بها الأضرار التي أحالت الفرحة إلى ترحة، هذه السيول المتتابعة على تهامة على امتداد ستة أشهر لم تمتد إلى نجد باستثناء غيمات ندت شرقاً فوصلت إلى الشملي في حائل أو بعض أجزاء القصيم، أما عامة بلاد نجد فما زالت تنتظر الغيث وما علمت أن سيل تهامة يحجب سيل نجد، لقد مر الربيع الأول (الخريف) وتبعه الشتاء وأطل الربيع الثاني (الربيع) ولم تحظ شجيرات روضات نجد بقطرة ماء، لقد أصاب الجفاف روضة الخفس، وروضة نورة، والعتك الصغير، والتنهاة، والطيري، والشوكي، والأعصل، والخفيسات، والنظيم، ورياض القطا، وجل روضة خريم، أما الربيع الذي حظي جزء من روضة خريم به فقد جفَّ سريعاً، وعموم رياض الصمان فقدت ربيعها من جنوبها إلى شمالها فلا نجد أثراً للربيع في أم قرين أو الخمة أو روضة حزوى أو روضة الشملول، وقد فقد أبناء الخليج متنزههم المعمور في النعيرية بحيث يلتئم الشمل كل عام في أرض النعيرية فتنصب المخيمات لأبناء عمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت بالإضافة إلى القادمين من الأحساء وغيرها من مدن المملكة العربية السعودية، لقد وحد ربيع النعيرية أبناء الخليج بحيث يشعر كل واحد منهم بأنه ابن هذه الأرض الخليج العربي، وما علم أبناء الخليج أن سيول تهامة هي السبب في فقد ربيع النعيرية. وإذا كانت الصمان قد فقدت ربيعها في هذا العام فإن جارتها الدهناء تذرف الدمع من شدة العطش، فالأرطى تمتد عروقه شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً لعل قطرة غيث تصيب العرق الجاف فتدب فيه الحياة من جديد، وقد طال الانتظار وأقبل القيظ، وإذا كانت أنقاء الدهناء بأرطائها وشجيراتها قد فقدت ربيعها فإن خبب الدهناء لم يصبها قطرة ماء، فتلك الخبب هي موئل الربيع إذا جادها الغيث يرتادها العرب بإبلهم وشاههم، فالخبب واسعة ومتعددة، لا يحصل عراك على مرعى لسعته، وقد قيل: إذا ربعت الدهناء أخصب العرب، بل إن اسم هذه البلاد مأخوذ من الدهن لكثرة مراعيها وجودة نباتها، فالخبب تنبت اليَنَم وهذا النبات يغزر حليب الإبل والأغنام فهو من أحرار البقول تسمن عليه الماشية وتحسن حالها، قال فيه المرقش وهو يصف ثوراً وحشياً: