ربما أن مفهوما عن الحرية جديدا تسعى لاجرائيته ألسنة الناس، تماما كتلك المفاهيم الكثيرة العديدة التي يتخذونها لبانة الفم يعلكونها دون أن يكون لها في حواسهم لوناً أو طعماً أو معنى.., هذا المفهوم يخرج من الألسنة ليكون الحارس الأمين للمرأة المعاصرة وتحديداً المرأة العربية المسلمة أكثر تحديداً.., هذه التي لم تجد من يتصدى ولو بالصوت لكبح مطاطية ولزوجة هذا المصطلح الذي يلفها ويمتزج بهواها، وهي التي جعل لها خالقها الذي أوجدها من العدم صفات وسمات وخصائص عند وضعها في محك إجرائية الحرية التي يطلقونها، فإنها حتما بمنطق الوعي بهذه الخَلْقِية فيها، فإنها لا تتناسب على كل الوجوه..
فالمرأة لها حرية فعل في شريعة السماء، نزل بها الدين، وحدث بها دستوره، ونطق بها وطبقها رسوله النبي العظيم خير من هدى لما يتوافق ويوافق طبيعة الخلق في صنع الخالق، ومحاكاة ممارساته وأفعاله، عند خطي الممكن وغيره، والموافق وسواه..
المرأة حرة في اختياراتها وإن كانت إيماناً وإسلاماً أو كفراً ونكراناً، وعند هذا الحد، لها إن كانت أمًّا المصاحبة إحسانا، أليس هذا منتهى الحرية في اختياراتها، ومن ثم يبقى للخالق تعالى شأنه معها، حيث أنزل حكمه أن من يرتضي غير الإسلام دينا لن يقبل منه، وما دون ذلك فهو لمشيئته تعالى عفواً وغفراناً أو عقوبة وحساباً..,
المرأة حرة في البقاء ما شاءت في عصمة رجل، وإن صعبت عليها العشرة، وعز عليها النكران لها، فلها حرية البقاء، والحصول على مثوبة الصبر، أو الخلوص ولو مخالعة، ولها مالها، وعليها ما عليها، لا ضرر ولا إضرار، ولا حتى مضرة بولد،...
المرأة حرة حين الخلوص بما تفعل بنفسها، في القرار والاختيار لأي الحياتين تنجو بنفسها، زوجا آخر أو ركونا بدونه.., فما اتخذت من معروف بنفسها فهي حرة بما تفعل، حرة فيما تفعل..,
المرأة حرة في مالها،.. وعملها،.. وتصريف شأنها، وما تقيدت بقيد إلا كان لله فيه حق وحد.., بمثل ما هو للرجل مع خالقه..,
وما تقيدت حرية إنسان بنوعيه إلا لمرضاة الله، وما أطلقت حرية إنسان بنوعيه إلا امتثالا لطبيعة خلقه تعالى فيه، ومرضاته فيمن وممن خلق..
كلاهما الرجل والمرأة منوطان بواجبات ومسؤوليات تخضع لمظلة التشريع فيهما..,
غير أن المفاهيم بلغها طمي السيل في غرور الإنسان بالحياة وصدارتها، والحياة ومغرياتها.., تلك التي بدلت في الإنسان بحيث بدل هو في أداءاته لهذه الواجبات.., حتى اكتسحت طباعه طبيعته، وتمرد بسلوكه على حدوده، وخلط بين المصطلحات في تنفيذه، فسطا الرجل على المرأة في مناح عديدة حتى اختلط لديها الكثير من القيم والمفاهيم بممارساته الفعلية والقولية، وفي نمط سلوكه معها، فأسند أخطاءه للدين وتخلص من جهله بجهله، وخضعت المرأة لكثير من هذا.., لذا كلما علكت في فمها كلمة الحرية، استطعمتها فيما ترى وفيما تسمع مما يحرك شهوة التمرد على الخط الفاصل بين ما خلقت عليه من الفطرة وما تهيأت له من مسؤوليات فوق الأرض، وفعل الرجل المثل في جوانب ليس له أن يتخطاها..
فكما أن الرجل لم تُخلق له الدنيا وحده، فإن الحرية فيها ليست تعني مناكبة النوعين في عرصاتها.. إلا بقدر ما شاءت طبيعة خلق الله تعالى ضمن ضوابط وحدود لا تميل الكفة بأي منهما لا تجاوزا ولا إيغالا...
فحرية الإنسان بنوعيه، تمنحه حق القرار والاختيار, لا حق الخلط والسُّعار..
فما ولدت الولادة في شريعة الله الإنسان إلا حرا..
وما نزل الكتاب وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليتم مكارم الأخلاق وأولها ضابط الحق في سلوك الفرد، يعرف حقه وحده، ويدرك واجبه ومنتهاه، ويعلم أن منظومة السلوك كتلة من القيم والإيمان والتقوى إن لم تنطلق بحرية في الامتثال لها، فإنها حتما ستتعثر بالتفريط فيها.