Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/04/2010 G Issue 13720
الخميس 08 جمادى الأول 1431   العدد  13720
 
مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة
أ. د. ناصر بن سعد العريفي

 

أسعد صدور الأمر الملكي الكريم السامي رقم 1035 بتاريخ 3-5-1431هـ من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والمتضمن إنشاء :»مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة» العلماء والمهتمين بمجالي الطاقة الذرية السلمية والطاقة المتجددة. ولا شك أن الأمر السامي يعد نقلة نوعية بارزة علمياً وتقنياً تدخل المملكة في عصر التقنية النووية السلمية، وغير التقليدية..

وتفتح آفاقاً بحثية جديدة تروي عطش الباحثين السعوديين نحو ارتياد مجهول هذا المجال وتطويره لتوليد الطاقة بطرق غير تقليدية وبإمكانات واسعة تلبي الاحتياجات المتزايدة للمجتمعين المحلي والإقليمي.

لقد تزامن إنشاء هذه المدينة العلمية مع طفرة أخرى تشهدها المملكة تمثلت في صدور عدد من المراسيم الملكية السامية بإنشاء عدد من الجامعات الجديدة مما أدى إلى اتساع رقعة التعليم الجامعي وزيادة الاهتمام البحثي كمّا وكيفا؛ مما أحدث طلباً متزايداً على موضوعات وأفكار بحثية ستساهم هذه المدينة العلمية في إشباعه، ومن ثم الاتجاه نحو تطبيقها على أرض الواقع، وهو ما يساهم في بناء قاعدة علمية تقنية وطنية في مجال توليد الطاقة وتحلية المياه، إضافة إلى الاستخدامات الطبية والصناعية والزراعية والتعدينية.

لم يأسر الأمر السامي عاطفة العلماء فقط، بل توافق مع أرقامهم وتحليلهم العلمي المنطقي من زاويتين: الأولى: تتمثل في مساهمة هذا التوجه في الحفاظ على ثروة المملكة النفطية «موارد طبيعية غير متجددة» من الاستنزاف. فتشير التقديرات إلى أن المملكة ستوفر حوالي 40000 برميل من البترول يومياً عندما يبدأ إنتاج الطاقة بالطرق المتجددة والذرية.

أما الزاوية الثانية، فتشير الأرقام إلى أن إنتاج الطاقة الكهربائية بالطاقة النووية يوفر نحو 55-70% من تكلفة إنتاجها بالطرق التقليدية باستخدام طاقة البترول والغاز؛ وهو ما يقلل من التكلفة مما يضفي قيمة مضافة متزايدة على اقتصاد المملكة.

وتشكل الطاقة النووية حوالي 20% من الطاقة المولدة بالعالم، وينظر إليها العلماء على أنها مصدر حقيقي للطاقة لا ينضب. ورغم ذلك توجد عدة اعتراضات على الطاقة النووية تتمثل في التكاليف العالية لبناء المفاعلات، ومخاوف العامة المتعلقة بالسلامة، وصعوبة التخلص الآمن من المخلفات عالية الإشعاع. وتعد هذه الاعتراضات في غير محلها؛ لأنها بالنسبة للتكاليف فهي وإن كانت بالفعل مرتفعة نسبياً من حيث بناء المفاعل، إلا أنها ستعوض بمرور الوقت؛ لأن الوقود النووي رخيص نسبياً. وبالنسبة للمخاوف المذكورة سواء مخاوف العامة المتعلق بالسلامة أو صعوبة التخلص الآمن من المخلفات، فهي تستغل من الأحزاب السياسية في الانتخابات بين مؤيدين ومعارضين، ولكن بالنظر إلى التجارب العالمية في مجال التخلص الآمن من مخلفات محطات الوقود النووي فنجد أن هناك وسائل كثيرة آمنة تعتمد على استخدام البحث العلمي المتقدم في إيجاد أنسب الأماكن لهذا الغرض بما لا يؤثر سلبا على الأفراد أو البيئة بأي شكل من الأشكال.

لم يقتصر التوجه السامي الرشيد على طاقة الوقود النووي فقط، فهناك العديد من مصادر الطاقة غير التقليدية الأخرى مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، وتتوفر هذه المصادر على أرض مملكتنا الحبيبة بفضل الله؛ فبالنسبة لطاقة الرياح فإنها تنافس الطاقة المولدة من المصادر الأخرى في العديد من بلدان العالم من حيث الفاعلية والتكلفة. ويرى البعض أن المشكلة الأساسية في الرياح هي تقطعها فهي لا تعصف دائما حين يكون هنالك حاجة إلى توليد الكهرباء، ويمكن معالجة هذا الأمر جزئياً عبر توزيع توربينات الرياح على منطقة جغرافية واسعة هي متوفرة في ربوع مناطق المملكة.

أما بالنسبة للطاقة الشمسية فتوجد تقنيتين أساسيتين لإنتاجها تتمثل الأولى في الطاقة الشمسية المركزة وتستخدم المرايا والعدسات لتركز الطاقة الشمسية وتستخدم على نطاق تجاري لتدوير التوربينات وإنتاج الكهرباء، أما التقنية الثانية فتتمثل في الطاقة الشمسية المولدة عبر الألواح الضوئية (الفوتوفولتية) والتي تحول أشعة الشمس مباشرة إلى كهرباء عبر استخدام أشباه الموصلات. وقد ظهرت بادرة التوجه إلى توليد الطاقة غير التقليدية بإنشاء مشروع القرية الشمسية بالعيينة والتي تبعد حوالي 45كم عن مدينة الرياض، ومخطط لها أن تنتج 350 كيلووات من الطاقة الكهربية كمرحلة أولى لتخدم بعض القرى حول مدينة الرياض. وهناك قدر هائل من الطاقة الحرارية الأرضية متوفرة بالقرب من سطح الأرض في العديد من مناطق المملكة. وهي مصدر طاقة بديل ونظيف ومتجدد. وتنشأ هذه الطاقة من مخزون في الصهارة في باطن الأرض والذي يقترب من سطح الأرض في بعض الأماكن ذات التراكيب الجيولوجية المعينة، ومن ثم يسهل تقييم أماكن تواجد هذه الصهارة وكيفية الاستفادة منها. ويستفاد من هذه الطاقة الحرارية بشكل أساسي في توليد الكهرباء وتحلية المياه وفي التدفئة والاستشفاء عندما تظهر على صورة ينابيع حارة. هذه الطاقة المتجددة -نظرياً- يمكن أن تكفي لتغطية حاجة العالم من الطاقة لمدة 100000 سنة قادمة.

وعموماً تتمتع مصادر الطاقة المتجددة بعدد من المزايا النسبية تتمثل أهمها في الجوانب الآتية:

أولاً: يتمتع الشرق الأوسط والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص بميزات جغرافية ومناخية ملائمة تجعلها أكثر مناطق العالم قدرة على إنتاج الطاقة الشمسية.

ثانياً: لن يكون حجم الطاقة المولدة في الوقت الراهن في المنطقة كافياً لتلبية الطلب المستقبلي نظراً لارتفع الطلب بنسبة تفوق 7% سنوياً خلال العشرة أعوام المقبلة.

ثالثاً: ستساهم الطاقة المتجددة في خفض غازات الاحتباس الحراري ومواجهة التغير المناخي.

رابعاً: يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تساعد في حل مشاكل تلوث البيئة الأخرى.

خامساً: يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تخفض من كميات النفط والغاز المستعملة في إنتاج الكهرباء محلياً؛ وبالتالي الاستفادة من هذه الكميات في مجالات أكثر ربحية.

سادساً: سيقلل التوجه نحو الطاقة المتجددة في التقليل من معدلات البطالة، فتشير الأرقام إلى أن قطاع النفط والغاز، وإن كان ينتج 47% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج العربي إلا أنه لا يشكل أكثر من 1% من الوظائف، وسيساهم الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة في امتصاص حجم كبير من البطالة.لقد ارتأت قيادتنا الرشيدة أنه قد آن الأوان لنقتحم مجالات التقدم العلمي العالمي بما فيه من منافسة عالية، فلسنا أقل ممن سبقونا في هذا المضمار. ولا يسعنا في النهاية إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل والعرفان لمليكنا المفدى على قراره الحكيم بفتح آفاق جديدة تخدم اقتصاد مملكتنا الغالية وازدهار شعبها وتشبع نهم علمائنا الحريصين على ارتياد المجهول.

بارك الله في ملكنا وعلمائنا وباحثينا وزاد هذه الأرض رفعة وعلوا وازدهاراً.

* أستاذ الجيوفيزياء بجامعة الملك سعود - عميد كلية المجتمع بالقويعية


nalarifi@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد