المشاغبون كثر ومنتشرون في المجتمعات بكل شرائحها وفئاتها، وهنالك «القشران»، مع عدم المؤاخذة لاستخدام المصطلح «عامياً»، ويمكن القول إن كل «أقشر» مشاغب وليس كل مشاغب أقشر.
ونسمع أحياناً، أن ينعت صديق صديقه مازحاً بأنه «أقيشر»، وقد يكون التصغير للتمليح أو للتحقير أو للتعظيم. وتكمن «القشارة» في النفس مثلما يقال له «شيطون»، بدلاً من شيطان! دعونا نتصور أننا في شوارع الرياض، التي دشنت الإدارة الأمنية للمرور في الرياض مؤخراً حملة للسلامة المرورية، بعنوان: «سلامتي». فلمن توجه هذه الحملة أللعقلاء أم للمشاغبين من «السواقين»، أقصد قائدي المركبات، بمختلف أنواعها وأحجامها وأشكالها وجنسيات سائقيها؟ يا رجل لقد رأيت بأم عيني سائق شاحنة ينعطف بسرعة ليعمل دوراناً أو ما يسمى في أيامنا هذه باللف على شكل حرف «أليو»، ورأيت شباباً يقودون مركباتهم في أحد شوارع الرياض المطورة بطريقه عجيبة وغريبة جداً. وهل يعتبر قطع الإشارة المرورية الحمراء ضرباً من «القشارة؟» ويا ليتنا نرفع شعاراً يقول: «قطع الإشارة من القشارة».
وماذا عن رمي النفايات من نوافذ المركبات من قبل راكبيها أو سائقيها، كباراً كانوا أو صغاراً؟ هل يعتبر ذلك السلوك من المشاغبة؟
وإذا انتقلنا إلى شريحة أخرى من «المشاغبين» لوجدنا ما يعرف ب»الكتاب المشاغبين»، الذين يسطرون بمداد أقلامهم الكلمات من هنا وهناك ويشتبكون مع أناس متخصصين في نواحٍ يدّعي هؤلاء الكتاب أنها بمثابة «الموضة العامة»، ويقولون: «لنا عقول مثلما لهم عقول». ولقد لاحظت أن المشاغبة في المدارس من قبل شرائح من الطلاب بدأت تضعف وليصححني المعلمون في التعليم العام «ذكوراً وإناثاً» إن هونت من هذا الأمر. ولربما يعود السبب في انحسار ظاهرة المشاغبة في المدارس إلى ازدياد نسبي في الوعي ضمن الطلاب والطالبات وتغيير الأنظمة التعليمية في صالح الطلبة.
وقد يتساءل القارئ الكريم عن عدم التعريف بمفهوم المشاغبة بدأ، فلما لا يستنتج ذلك من بين ثنايا السطور؟ وأقول هنا هل يمكن أن نستشعر معنى بيت المتنبي المشهور: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ففي الشطر الأول من البيت جاء مفهوم «الشقاوة» بصيغة الفعل، وفي الشطر الثاني جاء المفهوم بصيغة الاسم. فمتى يمارس المرء الشقاوة «فعلاً» ومتى يستشعرها «معنى»؟
هل ذلك له علاقة بالمناخ؟ بالطقس؟ بالموقع الجغرافي؟ بمستوى الارتفاع عن سطح البحر؟ في الماء؟ في اليابس؟ في الليل في النهار؟ هل له علاقة بفصول السنة من صيف وخريف وشتاء وربيع؟ هل لها علاقة بالنوع؟ بالسلالة؟ بلون البشرة؟ أو الدخل والمستوى التعليمي والثقافي؟ وهل العاطلون ميالون لأن يكونوا مشاغبين؟ ولو رجعنا إلى بيت المتنبي، المستشهد به، لوجدنا أنه استعمل كلمة شقاوة، التي نقول عنها بالعامية: «شقاوة عيال». فهل هذا ما كان يقصده أبو الطيب المتنبي؟! مجرد شقاوة عيال؟ ثم هل ثمة تقاطع بين الشقاوة والمشاغبة؟ هل نحن نخفف من الشقاوة باستخدام مفهوم المشاغبة؟
أو بعبارة أخرى، عندما نحاول تخفيف مفهوم الشقاوة، نقول بدلاً من ذلك: «مشاغبة» تخفيفاً؟ هل من دوافع المشاغبة الهروب من الواقع الذي يعايشه الفرد ضمن إطار مجتمعي معين، فتكون المشاغبة بمثابة التنفيس أو «فش الخلق؟»
هل يمكن أن نفكر في مقترح غريب ونقول لماذا لا تنشأ «جمعية للمشاغبين» أو «نادي لهم» ولو تكونت هذه الجمعية، فرضاً، فماذا عسى أن يقول رئيس مجلس إدارتها في خطابه الافتتاحي لأول عمومية لها؟ قد يكون خطابه على النحو الآتي: أيها السادة الكرام، أهنئ نفسي وأنتم بقيام هذه الجمعية التي كانت حلماً فأصبح حقيقة واقعة. أيها الأعضاء والعضوات الكرام لا بد أن نعمل جاهدين لتحوير مفهوم المشاغبة الذي كان ولا يزال مفهوماً سلبياً في أذهان الأفراد من مجتمعنا المتطور، الذي أصبح يقيم جمعية لكل شيء. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، أو المطروح أمامكم، ماذا عسى أن تقوم به هذه الجمعية لأعضائها؟ هنالك أفكار متعددة ومشروعات متنوعة وعلى سبيل المثال إقامة مجموعات تخصصية تركز على أنواع المشاغبة وتبحث في هذه الأنواع بطريقة علمية موضوعية. كما أن الجمعية يمكن أن تفكر في إنشاء مدارس للمشاغبين لتغيير الصورة التي رسختها مسرحية «مدرسة المشاغبين،» تلك المسرحية الكلاسيكية المشهورة، التي لا أزال أتذكر مقاطعها ومشاهدها وكنت أحفظ أجزاءً من سيناريوهاتها. ويمكن كذلك أن نفكر في إنشاء وقف للجمعية ليكون لها سنداً و مؤيداً من الناحية المالية ويسهم في استدامتها.
ولو افترضنا كثرة الكتاب المشاغبين في «صحيفة ما» فهل لنا أن ننعت تلكم الصحيفة بالمشاغبة بسبب ذلك؟ وهل يكون للصحيفة توجهاً أصلاً في تشجيع المشاغبة لكتابها؟ أفمن صالح الصحيفة أن يكون لها توجهاً من هذا النوع؟ أم تكون ذات توجهات متنوعة فيكتب فيها ما يمكن أن يقال عنهم بالعقلاء والمشاغبين والجادين والهزليين؟ وهل الكاتب «المشاغب» يشعر بأنه مشاغباً؟ أو يشعر في سريرته أنه ناقداً وليس مشاغباً؟ أو أن صفة المشاغبة تطلق عليه من قبل طرف آخر؟ وماذا عن ردود الفعل بالنسبة للكاتب المشاغب؟ في تصوري أن الناس قد ينقسمون إلى قسمين رئيسين تجاهه: قسم ينظر إليه على أساس أنه كاتباً صريحاً جريئاً يعبر عن رأيه بكل حرية، وهنالك من قد يرى أن مثل هذا الكاتب عبارة عن سهم أو قذيفة غير موجهة التوجيه الصحيح، وفي نظر أولئك يتخبط ذلك الكاتب خبط عشواء من تصب تُمته ومن تخطئ يُعمر فيهرم.