سباق من نوع جديد بدأ عدد من المحافظات بمناطق المملكة التباري في مضماره، ومضامين السباق وأهدافه هي بين الجيد والمقبول، وليس بينها ما يمكن التقليل من أهميته، إلاَّ أن هناك ما هو أكثر أهمية وأنسب للتسابق في مضماره.. وكان من المغفول عنه نسبياً أو كلياً..
مجالس بلدية في عدد من المحافظات تتنافس في الإعلان عن منع بيع (السجائر) أو الدخان والشيشة داخل المحافظات، لكنها لم تنتبه إلى أن عمالة وافدة استثمرت المنع ففتحت محلات لترويج علب السجائر بأنواعها ومادة الجراك والمعسل المستخدمة في الشيشة والأرجيلة ونحوها، بل إن مواطنين أفادوا أن العمالة الجائلة في الأحياء باسم توصيل الطلبات أخذت فرصتها في التوزيع والترويج بالحبة والعلبة وعلى من؟! بين الصغار.. وقد يكون من الممكن جداً أنهم يوزعون بضاعتهم بين فتيات يدخن السجائر بالخفية كحب للتقليد أو التجربة.. ولا سيما أن الممنوع يزيد الطلب عليه وتميل النفس (أحياناً) لتجربته والتعرف على مكوناته وآثاره، وعلمياً فإن صغار السن من الجنسين هم أكثر ميلاً للتعرف واستكشاف الأشياء بدءاً من ألعابهم.. مروراً على الأشياء المحيطة بهم، وصولاً لأمور قد تكون خطرة وضارة بصحتهم.. إذن يبدو لي أن المنع في المحافظات وإن كان ظاهره حسن النية ومنع الضرر عن المجتمع؛ إلا أنه لم يعط حقه من الدراسة الشاملة المتعمقة التي تبحث الأمر من كل جوانبه وتوازن بين الإيجابيات والسلبيات التي من أبرزها أن صغاراً صاروا يركبون سيارات فتيان أكبر منهم سناً بهدف الحصول على السجائر من أطراف المحافظة فهم والحالة هذه وقعوا بين مشبوهين لا يريدون لهم خيراً.. وبين عمالة تبتزهم كل ما يمكن ابتزازه من نقود، وأهم من النقود ما يُعد من أخطر المحذورات التي يجب أن نحمي الصغار والناشئة منها ومن عواقبها الوخيمة دينياً واجتماعياً ونفسياً، ثم لماذا ينحصر التسابق في الخيرات في مثل هذا الأمر على ما يحمله من نوايا إيجابية حسنة، على حساب جوانب إنسانية اجتماعية قد تكون لها الأسبقية في التباري في تنفيذها بل والتباهي.. كمشروعات لانتشال أرامل وأيتام ومعاقين ومرضى من آلامهم ومشكلاتهم، نعم هناك جهود جيدة نحوهم.. لكنها لم تصل إلى مستوى التنافس الإنساني الاجتماعي الخيري لإبراز جهود المحافظات في هذه المجالات، وفي المقابل نقرأ في الصحف والمنتديات (على سبيل المثال) سباقات عن أكبر قرص كليجا في القصيم، وأكبر سلة مصنوعة من الخوص في الأحساء، إلى آخر هذه الظواهر من السباقات التي يحلم منفذوها بالدخول في قوائم كتاب (جينس) للأرقام القياسية، علماً أن معايير ومقاييس المدن البارزة والمدن الصحية العالمية تشمل أهم إنجازات أهاليها في التعاون الجماعي المثمر في النواحي الإنسانية والبيئية والاقتصادية ونحوها.. مما لا يخفى على المتابع، لكنهم لم يذكروا ضمن المعايير أكبر طبق طعام أو زنبيل خوص، وإن كانت مدن عالمية تمارس مثل هذا السباق، فلأنها قد نجحت في المشروعات الخيرية الاجتماعية وتعدى نشاطها للخارج.