تهتم معظم المؤسسات الاقتصادية برضاء العملاء انطلاقا من مبدأ أن العميل الراضي هو عميل مستمر المعاملة؛ وبالتالي مصدر لموارد تلك المؤسسة؛ لذا ابتدع مفكرو التنظيم الإداري إدارة لخدمة العملاء، يكون دورها الأول هو تمثيل العملاء داخل التنظيم المؤسسي؛ فتستسقي مطالبهم وشكاويهم واقتراحاتهم.. وبعض إدارات خدمة العملاء المتميزة تستشف وتستشرف تطلعات وأماني العملاء فيما يجب أن تقوم به المؤسسة أو تقدمه من سلع وخدمات. والمؤسسات التي التزمت بتمكين إدارات خدمة العملاء من ذلك الدور، وتفاعلت معه في صورة تلبية لتطلعات العملاء، حقَّقت إنجازات ونجاحات فاقت منافسيها، أما تلك التي لم تستفد من ملاحظات عملائها فتراكم عليها تذمرهم وتوالى جفاؤهم لها، وسلعها وباتت مفلسة من العملاء وواردة وادي الضياع.
يُحكى أن شركات للاتصالات في بلد سعيد اسمه مشتق من وصفه قد أرغدت وازدهرت تجارتها من المكالمات والمسجات، وباتت في بحبوحة من المكاسب والأرباح.. هذه الشركات عندما نالت رخصة الخدمات التي تقدمها ظن كثيرون أن هذه الشركات صائرة إلى خسارة قاصمة؛ فمن أين لها أن تأتي بتلك البلايين، علاوة على فوائدها البنكية؟ ولكنَّ الراسخين في علم التسويق والتشويق كانوا يدركون أنهم أمام شعب معطاء كثير الصرف والبذخ، ينفق بسخاء على القيل والقال وكثرة السؤال عن الصحة والأحوال، وخصوصا اليافعين منهم؛ لذا تسلحت تلك الشركات بجحافل من جيوش الدعاية ومبدعي الباقات؛ فبات أهل تلك البلاد مشغولين بتتبع باقات المكالمات كتتبعهم المسلسلات التركية؛ فنجحت تلك الشركات في استحواذ اهتمام تلك الأمة لما يبتدع من خدمات وما يعلن من تخفيضات، حتى بات حديث الناس حول باقات الاتصالات وعبر قنوات الاتصالات؛ فهي تربح من الكلام بها وحولها، وأصبح على من يريد في تلك البلاد أن يطمئن لحصوله على المناسب من الخدمات أن يتلقى دورة تعليمية فيما هو متوافر من باقات لدى شركات الاتصالات، ويعي كيف يستفيد من أوقات التخفيض ويستغل النقاط ويقطف القطاف، وفوق ذلك عليه أن يكون متحفزا للانتقال من باقة إلى أخرى عندما تتغير ميزات الباقات؛ فلا شيء في علم الاتصال يدوم. هذا النشاط الاتصالي جعل رؤوس العملاء تدور؛ حيث باتوا لا يعلمون في أي باقة هم، وكيف يحاسبون وكيف يدفعون، ثم تفتقت أذهان خبراء تسويق الاتصالات عن خطة عظيمة لتعظيم مبيعات باقات تلقي المكالمات عند السفر للبلدان الأخرى؛ فميسورو الحال والمستدينون على السواء في البلد السعيد يسافرون كثيرا لبلدان ت توافر فيها اتصالات متقدمة ويسيرة التكلفة، وهم عندما يسافرون لتلك البلدان يشترون شريحة محلية بزهيد الفلوس، وبها يمارسون هواية الحديث الفاضي والمليان، وعندما يقومون بذلك يزيحون شريحة اتصالات البلد الحنون ويضعونها في قرارة محفظة النقود وبطاقات الائتمان؛ فهي غالية على قلوبهم، ولكن ذلك التقدير والاحترام لا يخدم شركات اتصال بلدهم السعيد؛ حيث يتوقف عدَّاد جني الفلوس؛ لذا كان لا بد من صياغة ذكية لرسالة حميمة مضمونها «يا أيها الشعب السعيد أكمل سعادتك بطيب الإجازة بشريحة تضمن تلقيك المكالمات الواردة من البلد السعيد مجانا؛ فلا داعي أن تشتري شريحة محلية من دولة أجنبية، وثابر على تلقي اتصالات الأهل والأحباب، واسعد بما يسر من أخبارهم».. ورحب الشعب السعيد بمبادرة شركات الاتصالات؛ فبات يتلقى مجانا، وأحيانا تجبره العادة على مكالمة قصيرة لصاحب أو قريب بها يختصر الكلام.
كثير من مواطني البلد السعيد نفض ما في جيوبه في السفر، وبات مستعدا لتلقي فواتير بطاقات الائتمان وفواتير الاتصالات التي ربما تُذهب لذة السفر، وهنا تبدأ رحلة المعاناة مع إدارة خدمة العملاء في شركات الاتصالات؛ فهذه الإدارات دورها هو إقناع العميل بأن فاتورة هاتفه المتنقل هي قضاء وقدر، وهي صحيحة الأرقام ودقيقة التفاصيل، وربما أن عليه أن ينتظر مبالغ أخرى؛ حيث إن شركات الاتصالات الأجنبية التي استخدم شبكتها لم ترسل فواتيرها بعد، وأن شركته ستدافع بقوة لحمايته من نصب تلك الشركات الأجنبية، وإن شاء الله لن يكون إلا ما يطيب به خاطره؛ فتسعيرة المكالمات من البلدان الأجنبية على الشريحة المحلية هي فقط في حدود عشرين ريالا للدقيقة أو كسورها، وعلى المواطن ألا ينسى أن الشركة تحملت عنه المكالمات الواردة على شريحته المحلية مجانا، وتمتع بذلك، ثم إنه كان بإمكانه أن يكون حريصا فيتصل بمن يريد ويقطع الخط ليتصل به الآخر مجانا، ولكننا نحن شركات الاتصالات الوطنية نعي أن ذلك ليس من مكارم الأخلاق، وأن شعب البلد السعيد يكره أن يوسم بالبخل أو التوفير، وهو شعب قد حباه الله نعيما وثراء في الحال والأموال.
إن الدور الأهم لإدارة خدمة العملاء لدى شركات الاتصالات في البلد السعيد هو إقناع العملاء بأن شكوكهم في مبالغ فواتيرهم هي أوهام، وأن تدويخ رؤوسهم بالخيارات المتغيرة باستمرار هو خدمة لهم واستجابة لتطلعاتهم، وأن البلايين التي تكسبها شركات الاتصالات هي ثروة عامة؛ فشركات الاتصالات في البلد السعيد هي شركات مساهمة يملكها المواطنون؛ لذا فهي منهم وإليهم.
لذا فعلى المواطن أن يدفع بطيب خاطر، وألا يشغل نفسه بتوافه الأمور، مثل: كيف يتم احتساب المكالمات؟ وما هي الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية؟ وكيف تربح الشركات؟.. وما عليه إلا أن يطمئن بأن حقوقه محفوظة، وأن هناك مؤسسة عامة ترعى عدالة الاتصالات، نعم هي مشغولة بفك خناق الشركات مع بعضها بعضا، ولكنها عندما تفرغ من ذلك - إن شاء الله - ستهتم بما يحصل عليه المواطن من خدمات، وتتأكد من أنه راض تمام الرضا.
لذا، ومن هذا المنطلق، بات على شركات الاتصالات في البلد السعيد أن تدرس الآن تعديل مسمى خدمة العملاء إلى (خدعة العملاء)، وهو مسمى لا يخلو من رغبة صادقة في الاستجابة لتطلعات العملاء؛ فبناء على دراسة قام بها أحد بيوت الاستشارات العالمية المشهورة تبين أن مواطني البلد السعيد لا يهتمون بنوعية الخدمة بقدر ما يهتمون بالمفاجأة؛ لذا لا بد أن تصيغ شركات الاتصالات في البلد السعيد خدماتها لتكون سلسلة من المفاجآت غير المتوقعة.
لذا أنصح الشركات لدينا، وهي الاتصالات السعودية وموبايلي وزين، وكذلك هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، بأن تستفيد من التجربة العظيمة في البلد السعيد، وأن تتعلم من تلك التجربة كيف تجعل من خدماتها محل رضا العملاء؛ فبالرضا تدوم النعم.
M900m@gmail.com