قد تكون حقيقة، وقد تكون طرفة قريبة الشبه بالحقيقة.. طفلان سعوديان لعائلة مرفهة لم يريا من قبل في حياتهما الصغيرة خروفاً. عندما استيقظ الأكبر صباح عيد الأضحى أطل على الحوش فرأى لأول مرة خروف الأضحية مربوطاً هناك. انطلق الطفل مبتهجاً يجر أخاه الأصغر من سريره ليخبره أن أباهما قد اشترى لهما ديناصوراً هدية العيد. هذان الطفلان سبق أن سجلا في ذاكرتهما من أفلام الكرتون هيئة الديناصور، لكن لم يسبق لهما رؤية الخروف.. هكذا أصبح الخروف في الحوش رديفاً للديناصور في الذاكرة والتصور.
الحكم على الشيء فرع من تصوره، هذه مسلمة متفق عليها في كل المجتمعات. الذي لم يشاهد جملاً في حياته ثم يشاهد صدفة ظل جمل عابر في الليل لن يستنتج أن الظل لجمل بل لأي شيء آخر قد يشبه الجمل سبق أن رآه وسجله في الذاكرة. الإنسان لا يستطيع التعرف والتأكد من أمر أو شيء لم يختبره أو يشاهده من قبل، بل يحكم على ذلك حسب ما يتصوره عنه؛ لهذا السبب يقول الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره.. إلى آخر الحديث. الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن رأى» ولم يقل «مَن تصور أو اعتقد أنه شاهد أو سمع منكراً فليغيره». هنا يأتي واجب التثبت من الأمر بما لا يدع أي مجال للشك. التدخل المباشر لتغيير المنكر مرتبط بالرؤية والتثبت وليس بالتصور أو التخيل، مثلما هو مرتبط أيضاً بالاستحقاق والإناطة المسؤولة.
قبل سنين رأيت في مجلس عشاء شاباً مكتمل الصحة لا أعرف ماهية عمله بالضبط، وكان يقص قصصاً مخيفة عن نتائج التحري والكبسات على دور الرذيلة في إحدى المدن، وكان أثناء حديثه ظاهر التهيج لدرجة أزعجت الحاضرين. طلب منه شيخ وقور الخروج معه من المجلس للحديث بين شخصين، ثم عاد الشيخ وحده بعد قليل. سألناه: ماذا حدث؟ فأجاب: الله يعفو عنا وعنه، قد رأيت أنه ساح مع قصصه أكثر من اللازم فنصحته بالذهاب إلى المنزل والاستغفار والتفكير فيما يقول.
الخلاصة: حسب وجهة نظري المتواضعة ليس فيما حصل مع ذلك الشاب المكتنز عافية ما يخرج عن المتوقع من شاب قوي مثله؛ لأنه لم يرَ امرأة عن قرب غير محارمه من قبل، ولم يكن على درجة كافية من المعرفة والتثبت، ناهيك عن الاستحقاق والإناطة للحديث في مثل تلك الأمور الشائكة. ذلك الشاب بمواصفاته تلك كان لديه ببساطة تصوره الخاص عن المرأة وعلاقته الفكرية بالمرأة تدور حول شيء واحد. وحيث إنه ليس للفضيلة هرموناتها الخاصة بها فقد خلط في قصصه القليل من الحقيقة بالكثير من الخيال.
إن ما يريده المواطن في مجال الفضيلة والرذيلة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر يساعده على نفسه وعلى الشيطان ولا يساعد الآخرين عليه.