الأديان، كل الأديان، أُنزلت من الله - عزَّ وجلَّ - ديناً واحداً هدفه تنظيم حياة الناس وعمارة الأرض وعبادة الخالق.. لكنها مع الزمن تفرعت إلى شعب ومذاهب، بعضها بالغ التطرف.. وبعضها تشكَّل ليتلاءم مع أهل منطقة بعينها.. وبعضها قام لمناهضة نظام قائم بعينه أو لتصنيف الناس وتحديد الموالي من المناهض.
بعض المذاهب بدأ بفكرة تطوَّرت حتى صارت مذهباً عقدياً يحارب الناس تحت لوائه وتُسفك من أجله الدماء.. أو صار مع الأيام مورداً اقتصادياً يُحافَظ عليه ويُعمَل على تنميته.. وقد أكد هذا الرأي الدكتور مانع الجهني (رحمه الله) في كتابه الموسوعي عن المذاهب والأديان.. بأن معظم المذاهب ما هي إلا صناعة سياسية وإن بدأت بفكرة من عالم دين.. ثم طُوِّرت لتتفق مع مصالح السياسيين ومفاهيمهم.
أخبر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأن الإسلام سوف ينقسم إلى بضع وسبعين فرقة.. وأنها كلها في النار إلا واحدة.. والعجب أن كل الفرق تدعي أنها تلك الواحدة، وأن الفرق الأخرى مبتدعة منحرفة شاقة لوحدة الإسلام خارجة عن الملة.. والأعجب من ذلك أن كل هذه الفرق أو بعضها تضامن أو تحالف في زمن ما مع أعداء الإسلام من يهود أو نصارى أو مجوس أو مغول أو صليبيين ضد فرق إسلامية أخرى.
تلك مقدمة طويلة لموضوع شائك لا بد أن تكون فيه منحازاً مهما حاولت أن تكون محايداً.. لِمَ لا وقد اختلط المذهب بالسياسة.. كما اختلطت الوطنية بالدينية والعرقية بالقومية والمصلحة الذاتية بالمصلحة العامة واحتياجات الحاضر بمخاوف المستقبل.. والعراق أرض الحضارات الإنسانية الأولى التي اخترعت الكتابة وأول من خطت لنفسها قانوناً وضعياً.. بلاد الرافدين أو العراق أرض السمن والعسل.. أرض الخير الوفير على مد العصور.. العراق الذي مثل قلب العالم بحضاراته السومرية والأكادية والأشورية والبابلية.. وصاحب قوانين حمورابي.. العراق قلب الدولة العباسية الذي أسلمته يد الطائفية إلى التتار؛ فكانت المذبحة التي لن ينساها التاريخ.. العراق الذي أنهكه صدام حسين بالمشاحنات والحروب.. وأخيراً عراق الاحتلال الذي أحرق البقية الباقية بالانفجارات الانتحارية اليومية.
كل مجتمع يبني حياته ويوجه حراكه من خلال عوامل أربعة هي: الدين والسياسة والاقتصاد وثقافة المجتمع.. وكل واحد من تلك العوامل كان له تأثيره الهائل على حراك المجتمع العراقي بناء وحضارة ثم هدماً وتخريباً.. ولو نظرنا إلى حال المجتمع العراقي اليوم وكيف يتعامل مع نتائج الانتخابات الأخيرة لوجدنا أن القرار ليس من داخل العراق بل من خارجه.. ولوجدنا أن القرار لن يتخذ على أساس مصلحة العراق والمواطن العراقي بل على أساس التوازنات الطائفية ورغبات حلفاء الخارج.. ولوجدنا تغليب المذهبية على الوطنية كما في حال الشيعة.. وتغليب العرقية على الوطنية كما في حال الأكراد والتركمان.. وتغليب القبائلية والمناطقية كما في حال بقية مكونات المجتمع العراقي.. وكلها تسخر المذهب والقبيلة والمنطقة لخدمة السياسة.. فما هو الحل؟.
للحديث بقية.