ماكان حلماً تحقق، فإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، قرار كان ينتظره المواطنون، فهذه المدينة تكمل حلقة مهمة في حلقات البناء العلمي والتقني والمعرفي الذي تنهجه المملكة لاستثمار آخر ما توصل إليه العقل البشري من اكتشافات علمية وتوظيف لما تزخر به الكرة الأرضية والطبيعية من إمكانيات منحها الله للبشرية، بعضها توصل العقل البشري لاكتشافه، وبقي خير عميم ينتظر من يتوصل إليه. والطاقة الذرية أو النووية التي تتولد من انشطار نواة الذرة والطاقة المتجددة من خلال إعادة تدوير المادة أو تجديد موادها، نعمة منحها الله للبشر، ومع أن أشرار البشر حرفوا هذه النعمة، واستغلوا الطاقة النووية أو الذرية وحولوها إلى أداة لتدمير البشر من خلال تصنيع أسلحة دمار شامل تمثلت في صنع قنابل ورؤوس نووية تبيد الواحدة منها ملايين البشر.
لكن بعيداً عن استغلال الأشرار لهذه «النعمة المكتشفة» فإن الطاقة الذرية لها العديد من الفوائد الجمة التي نفعت البشرية وستنفعها أكثر إذا ما حصرت استعمالات الطاقة الذرية بالأغراض السلمية، فهناك استعمالات مهمة في مجالات توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه والعلاج الإشعاعي وتصنيع الأدوية، واستثمار هذه الطاقة في مجالات مهمة أخرى، لذلك فإن من يمتلك التقنية النووية أو الذرية، والمعرفة التقنية وتوظيف هذه الطاقة واستثمارها في المملكة وبخاصة في القطاعات التي تعاني من شح في موارد مع إقبال واستعمال كبير من سكان المملكة، فندرة الماء سيعوضها استغلال الطاقة الذرية، وسيوفر كميات كبيرة من المياه المحلاة وسيحدث تغيير كبير في التنمية في البلاد، وهو نفس الشيء في توفير الطاقة الكهربائية بتكلفة رخيصة إضافة إلى توفير كميات كافية تستعمل في العلاج وغيرها من الاستعمالات الحياتية المهمة.
أما الذي أثلج صدور الكثير من السعوديين وهو وجود بنية أساسية علمية وقيادية من أبناء المملكة المؤهلين لإحداث النقلة المعرفية والتقنية والتعامل مع هذه الإضافة المهمة من خلال أبناء المملكة دون الاستعانة بالغير من خارج الحدود، ولقد أثبت فائدة وقيمة قوافل الابتعاث العلمي، من خلال إرسال أبناء المملكة النابهين والمتفوقين علمياً ليعودوا محملين بأعلى شهادات ومزودين بالعلم والخبرة، فها هم الأستاذ الدكتور هاشم بن عبدالله يماني ونائباه الذين سيديرون هذا الصرح العلمي التقني المتقدم «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة» تخصص في الفيزياء من أهم جامعة في العالم، جامعة هارفرد، ونائبه الأستاذ الدكتور وليد بن حسين أبو الفرج المتخصص بهندسة الطاقة كزميله الأستاذ الدكتور خالد بن محمد السليمان.
كفاءات علمية سعودية متميزة وهذا ما يفرحنا ويجعلنا مطمئنين بأن خيارنا وإرادتنا ستكون بأيدينا وبإدارة أبنائنا.
jaser@al-jazirah.com.sa