تم مواجهة الدكتور الشريف «حاتم عارف العوني» عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى ب أنه (يشيع البعض أنك لا تجيد العلاقات العامة.. ولهذا حرمك فرصاً كثيرة.. ما رأيك؟).
فكان رده:
(لا أدري، ولكني أعترف بأني لا أعرف الصداقات العابرة، وحبي للعزلة، كما أني ربما كنت صريحاً «زيادة عن اللزوم» بحسب أعرافنا، فإذا كانت هذه هي أسباب ضعف إجادتي للعلاقات العامة، فالعيب في العلاقات العامة، لا فيمن لا يجيدها. ولولا وجود قلوب حولي تفيض عليَّ بالحب والعطاء، من الأهل والأصحاب والطلاب، لما اطمأننت إلى مسيرة علاقاتي العامة).
1- عدم إجادة الصداقات والعلاقات العابرة.
2- حب العزلة.
3- الصراحة الإضافية.
ثلاثة أسباب يمكن أن تعرقل خط سير الصداقات أو العلاقات، ولكن أي صداقات وعلاقات تلك سوى العابرة منها عبور الهشاشة وهي تفتك بالعظام. علاقات وصداقات قتل الفراغ، ونحر الوقت، وإراقة دم الساعات على قارعة طريق اللاقيمة، واللاثمن، واللا أهمية ل الأحاديث.. لما يطرح أو يناقش أو يبحث من كلام طالما الغاية القتل العشوائي للوقت، النخر المتعمد للعظام حد التفتيت والتفتت.
- عدم إجادة الصداقات والعلاقات العابرة سمة العقلاء، ومزية المتزنين، وملامح الجمال للواعين، وقد سبقنا إلى تلك الرؤية الشافعي في (سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفاً)، وسبقنا إلى تلك الرؤية كذلك من قال (صديقك: من صَدَقَك لا من صدّقك)، وبالتالي لسنا بحاجة لمن يصدق، أو يرى كل ما نتفوه به، أو نصرح، أو ندلي صواباً لم يدنسه خطأ. بل حاجتنا لمن يصدق منا في نقده لنا بحيث يخالفنا عندما تستدعي المخالفة، ويصوبنا ما أن تزل حاسة من حواسنا الخمس. أو يخطئ حدسنا.
- أما العزلة، أو الانكفاء على الذات انكفاءً مؤقتاً أو الوحدة أو التفرد أو ما شابه، أجدها سمة أغلب المفكرين والمتأملين إذا جاءت صحية غير مرضية. بل إن العلماء والمعالجين النفسيين نادوا أيما مناداة بالاختلاء، ومراجعة الذات، ودراسة النفس، وتقليب سجل الذهن، ودفتر الأيام، ومفكرة الحياة. العزلة اختلاء الفرد بنفسه بذاته التي يراها من خلال الآخرين كثيراً، فماذا لو تفرغ كي يراها من خلال نفسه وذاته. لو راجعها.. ناقشها.. تدارس معها.. ودرس. طبيعي أن نتفرد وننفرد بنا عن تلفاز، ومذياع، ومحمول، وهاتف خلوي، عن أهلينا، عن معارفنا، عن أصدقائنا. وقد نفعل ذلك طمعاً في عمل بحثي أو نتاج عملي. بمعنى أن العزلة في الغالب منتجة مثمرة معطاءة وإيجابية.
- بينما الصراحة لا تخدش سوى من لم يتصالح يوماً مع نفسه. لم يواجهها بسلبياتها المقدمة على الإيجابيات، فإذا هو لم يتصالح مع ذاته في سطوع سلبياته سطوعاً يدفعه لمحوها أو تصحيحها فكيف سيتقبل صراحتك أو مواجهتك له! أتعس فرد مهنته الكذب ذلك الذي يكذب على ذاته، ونفسه فتصدقه نفسه وتبسم له ذاته. جرب أن تكذب على نفسك ثم انسلخ منك وصدق تلك الكذبة وبعد تجربتك هذه شاهد نفسك هل ستتقبل صراحة الآخر فيك، ونفسك أصلاً كذبت عليك!؟ الصراحة أتت معقولة أو جاءت زائدة، من لا يقبلها أو يتقبل بها لن يرضاها منك وبالتالي لا يمكن أن يتخذك صديقاً أو يؤسس معك علاقة بناءة.
إذاً تناثرت خرزات الأشخاص من مسبحة من لا يجيد الصداقات العابرة، ويحن باستمرار إلى العزلة، وديدنه الصراحة مع أولئك الأشخاص، تناثر لن يزعزع قدره أو يزعزع قدرنا في قلوب من يحبوننا أو أحبونا لأنهم أدركوا العمق، وعمق العمق فينا وتغاضوا عن الزبد لأنه سيذهب جفاء ذهاب السراب إذا اقتربنا منه وكثفنا الاقتراب ووجدناه لا شيء.
P.O.Box: 10919 - Dammam 31443
happyleo2007@hotmail.com