كان (سعد بن عايض بن فهاد بن سليم) طفل السنوات الأربع، يشرب الحليب ويشاهد برامج الأطفال في التلفزيون, في منزل والديه قي قرية (عرعرة) التي تبعد 35كم من محافظة بلقرن في جنوبنا الأشم, كان ذلك صباح السبت قبل ثلاثة أسابيع، وبينما سعدٌ كذلك؛ قتَله ضيفُ أبيه. وتقول الأخبار: إن الضيف القاتل مدمن مخدرات, وله ثمانية أبناء, ويعاني فقراً مدقعاً.
في (عرعرة) لا يوجد مركز رعاية صحية أولية، فأخذ والد سعد ابنه ودمه يشخب، وروحه البيضاء تصارع الموت..!. قطع والد سعد مسافة 35كم إلى المحافظة, فاراً من الموت يطلب الحياة. ولكن المنية أدركت سعداً، فذهب إلى جوار الله، سحابة تمطر طهراً ورحمات..
قرية (عرعرة) استيقظت على هول الفاجعة, التي سرت كمداً ووجعاً بين البيوت, تكوي أكباد الناس الطيبين الذين تذكروا أنه لا يوجد لديهم مركز رعاية صحية أولية. وتذكروا أن القاتل يعاني بؤس الفقر وكثرة الأبناء, وذل البطالة، وإدمان المخدرات.
(عرعرة) مساحة من جسد الوطن تفيض انتماءً، وتغني القصائد الوطنية، وتسبح بحمد الله كل صباح, وتخطو من زمن إلى زمن.. تنتظر مركز رعاية صحية أولية، لو كان موجوداً لربما أنقذ - بعد عناية الله - سعداً.
(عرعرة) لا تدري.. أتسأل لماذا أدمن قاتل طفلها المخدرات؟ أم لماذا لم يعالج منها؟ أم لماذا وصل إلى تلك الدرجة من القنوط, ونسي أنه أب لثمانية أطفال, يعانون معه قلة ذات اليد والحرمان؟
لا تدري (عرعرة) لماذا لم تفلح آلاف المناشط الدعوية والحملات التوعوية والخطب في التقليل من أعداد متعاطي المخدرات؟
ولا تدري لماذا يغيب عن ضمير الناس حس التراحم والتعاطف والتكافل؛ حتى يترك القاتل فريسة للقتل؟ ويفتك الجوع بأبنائه الثمانية، ويفتك هو بحياة الطفل (سعد بن عايض بن فهاد بن سليم)؟ لم يكن ما حدث في (عرعرة) حادثة قتل اعتيادية, وليست كلماتنا عنه انفعالاً آنياً بفجيعة مُرَّة؛ فالحدث مؤشر على مساحات حييِّة ندية من أجزاء الوطن, وبيئات اجتماعية وأمكنة ظل تحتقن بأزماتها, أزمة وعي، وأزمة خطاب، وأزمة تنمية، وأزمة إنسان. تفيض بأسئلة جارحة: كم طفل يؤدي كل يوم؟ وكم طفل تغتال براءته. وكم فجيعة أطفال تمر بها أبصارنا كل يوم - حتى اعتدناها.. ولم تعد صادمة لمشاعرنا المتخثرة, بفعل التعدد والإلف والتوالي؟ كم أب يتجرع ضنك الحياة وحوله جيش من الأفواه والأيدي الشاحبة, ينوء بحمل أمانة الأبوة واستحقاقاتها؟
أسئلة لا تنتهي عند آخر خطيب أو داعية أو مصلح يبتغي سبيل الرشاد, ويوجه إلى الاقتصاد في الإنجاب حتى يقوم بحق الرعاية وواجب الأمانة, ولا تتوقف عند آخر ضائع في متاهات الجريمة وعور السلوك وانعدام الإحساس بقيمة الذات, في مهب أنهار من الكلام الحامض تحذيراً ونهياً وتحريماً ووعيداً بالموت والنار, في حين تنعدم أمامه إمكانية الحياة وضروراتها.
ولا تبدأ بمئات القرى في الشمال والجنوب والغرب والأطراف، منتهى طموحها مركز رعاية صحية أولية ومدرسة ومكتب ضمان وطريق معبد, وإصلاح تنموي ورعاية مسئولة.
والد (سعد بن عايض بن فهاد بن سليم). كان يعمل راعياً للأغنام. وخطيب الجمعة في مسجد (عرعرة) طالب بتزويد قريته بالخدمات، واستحث الأهالي على مساعدة والد القاتل ووالد القتيل؛ فكلاهما في الهم جنوب... من هنا بدأت قصة الطفل (سعد بن عايض بن فهاد بن سليم) الذي قُتِل وهو يشرب الحليب ويشاهد برامج الأطفال في التلفزيون في قرية (عرعرة).