انتشر في مواقع الإنترنت الإسلامية (الحركية) بيان وقع عليه عددٌ من الأطباء (الاستشاريين). البيان كان يُعبِّر عن رفضهم إباحة (الاختلاط). لا نقاش في أن أيَّ إنسان له الحق في إبداء رأيه، وأن يُعبِّرَ عن قناعاته، وأن يُدافعَ عنها، سواء كان طبيباً استشارياً، أو أي صاحب مهنة أخرى؛ فالرأي لا يهم من هو قائله، ولكن يهمنا الرأي نفسه، ومدى صوابيته، والتزامه (بثوابت) منهجه الذي يُدافع عنه، وترابط مقدماته بنتائجه، وانضباطها. غير أن البيان جاء فيه (طوام) منهجية لا يمكن السكوت عنها؛ وهو ما يشير إلى أن هذه المجموعة من الأطباء يوقعون على أي بيان طالما أنه بيان (مُعارض)، أو كما يسمى هذه الأيام (بيان حسبة)، حتى وإن احتوى على ما (يمس العقيدة)، فالأولوية -على ما يبدو- هي للمناصرة (الحزبية) وليس للدين.
جاء في البيان آنف الذكر ما نصه: (وقد سمعنا هذا -أي مضار الاختلاط- من (عقلاء الغرب) سواء من الأطباء أو غيرهم خلال دراستنا في تلك الديار أو قراءتنا لما كتبه (أهل الرأي والفكر) فيهم. فمن ذلك مقالة الفيلسوف «برتراند رسل»: (إن الأسرة انحلت باستخدام المرأة في الأعمال العامة). نقلاً عن مجلة (أمتي) عدد سبتمبر2004)..
لا أريد أن أتحدث عن سياق مقولة هذا الفيلسوف الملحد Bertrand Russell الذي استشهدَ بها البيان، ولا دوافعه من إطلاقها؛ ولكني أريدكم أن تقرؤوا ماذا يقول (برتراند رسل) نفسه عن الدين، وعن البعث بعد الموت، والذي اعتبره إخواننا الأطباء -هداهم الله- من (عقلاء الغرب). اقرؤوا ما يلي: (سُئلَ رسل: هل يحيا الإنسان بعد الموت؟.. فأجاب بالنفي؛ وشرح جوابه بقوله: عندما ننظر إلى هذا السؤال من زاوية العلم، وليس من خلال ضباب العاطفة، نجد أنه من الصعب اكتشاف المبرر العقلي لاستمرار الحياة بعد الموت، فالاعتقاد السائد بأننا نحيا بعد الموت يبدو لي بدون أي مرتكزٍ أو أساسٍ علمي. ولا أظن أنه يتسنى لمثل هذا الاعتقاد أن ينشأ وأن ينتشر لولا الصدى الانفعالي الذي يحدثه فينا الخوف من الموت). انتهى. نقلاً عن كتاب: (صِرَاع مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم). تأليف: عبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني.
سؤالي: هل يُشرِّف هؤلاء الأطباء (المؤمنون) هذا الموقف المغرق في إلحاديته، وفي قياساته المادية، وكأنَّ القضايا الإيمانية تقاس بذات المقاييس المادية المنطقية في المختبرات وبالتجربة والبرهان (الحسي)، كما هي حُجج (رسل) ومن لفَّ لفيفه من الفلاسفة الملحدين؟.. وهل يقبلُ إنسانٌ يؤمن بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً، أن يستقيَ حُججه من ملحدٍ لا يؤمن أصلاً بالأديان، ثم يصفه (بالعاقل)؟
أعرف أن هؤلاء الأطباء الاستشاريين كانوا هنا مجرد (بصّيمة)؛ بصموا على (البيان) كما يبصمُ (الجاهل) على وثيقة لا يعرف محتواها، ولا ما تتضمنه من (موبقات)، وهذا ما أرجوه وآمله، أما إذا كان استشهادهم بهذا الفيلسوف الملحد، واعتباره من (عقلاء الغرب)، جاء عن وعي وإدراك وبصيرة، فالقضية تصبح أخطر من قضية (الاختلاط)؛ فهي تمس العقيدة من أساسها، فتنسفها نسفاً كاملاً.
وختاماً أقول: إن الطبيب، أياً كانت درجته العلمية، عندما يتحول إلى إنسان مندفع ومتعجل، ولا يتحرى الصواب والدقة فيما يقول أو يكتب أو يُقرر أو (يُشخص)، فمن الخطأ والخطر في الوقت ذاته أن تُسلمَ له نفسك ليشخص لك الداء، فضلاً عن قدرته أصلاً على أن يصفَ لك الدواء وهذه معاييره وتناقضاته المنهجية.
إلى اللقاء.