لا يبدو السلام الذي نطارد حلمه أو سرابه قريب المنال، كل الأحداث المتواترة والرصيد التاريخي في المفاوضات والمبادرات العربية، ناهيك عن نشاط القوى المعارضة له، والوضع الفلسطيني والعربي، وتجاذبات الإقليمي، والموقف الإسرائيلي، كلها مؤشرات تجعل التفاؤل بسلام قريب أو محتمل يحل على منطقة تعيش صراعا مستمراً لنحو قرن، أمرا غير محتمل وإمكانياته في أقل مستوياتها.
سقف التوقعات العربية التي تجعل من أوباما، الحائز على جائزة نوبل للسلام - مصدر أمل لحل سحري لقيام دولة فلسطينية، يبدو تفاؤلا غير واقعي، أو يتجاوز حدود التوقعات إلى الأمنيات الهشة، قد تطلق مفاوضات هنا أو هناك لكنها ستكون عاجزة عن الوصول إلى حلول نهائية أو مقبولة، لتعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى، فيما رغبة أوباما السلمية تواجه حربين وقضايا داخلية شائكة ووضع اقتصادي مربك.
استرجاع معاهدات السلام العربية الإسرائيلة الموقعة مع مصر والأردن، يظهر أنها اتفاقيات أمنية أكثر من كونها اتفاقات سلام حقيقة وكاملة، فالرؤى العام في البلدين لم يحرك مواقفه من إسرائيل إيجابيا، بل قد يكون أصبح أكثر تشدداً في أعقاب كل مواجهة عربية إسرائيلية عسكرية أو إعلامية، والتبادل الاقتصادي المباشر غير وارد، وليس له أرضية مناسبة بعد، باستثناء الأراضي الفلسطينية المعتمدة على الاقتصاد والبنية التحتية الإسرائيلية بشكل كامل.
ومحاور السلام الأخرى ما زالت جامدة برغم الحديث المتكرر عن مفاوضات غير مباشرة أو مباشرة، بل لا أحد مستعد للتنازل أو الجرأة للتضحية من أجلها، فيما حجم التضحيات المتوفرة باسم المقاومة ممكنة وواردة ضد احتمال السلام، وأهم الرؤساء الذين وقعوا على وثائق سلام قتلوا أو اغتيلوا من السادات إلى رابين.
هذا بخلاف أن غالبية الأنظمة العربية ليست في الغالب مؤهلة أمام شعوبها سياسيا وشعبيا لقيادته باتجاه فكرة السلام وتسويقها.
طبعا كل ذلك بخلاف التعنت الإسرائيلي الرافض أصلاً لفكرة إنشاء دولة فلسطينية، قد تعني للقوى الضاربة هناك أنها ستشكل بداية النهاية لإسرائيل وفق السيناريو التقليدي.
هل تبدو الصور قاتمة في وجه قوى السلام في المنطقة..؟
الحقيقة أن قوى السلام نفسها غير فاعلة، بل هي تعمل بالحد الأدنى وعلى استحياء وخوف من الاتهام بالتطبيع وغيره، لكن الوضع على الأرض لا يحمل مؤشرات تفاؤل تستحق تغير الاحتمالات، فكل معاهدات السلام وقعت على ورق وأودعت في المنظمات الدولية، والمفاوضات التي تجرى في غرف مظلمة أو مفتوحة، هي مفاوضات سياسية، ومهما يكن حجم المبادرات فلن تفلح، دون وجود تربية ثقافية وتنمية رأى عام حقيقي يستوعب فكرة السلام وينقذ هلاميته، وخلق هذا النوع من الثقافة والاستيعاب للسلام والاستعداد له يحتاج إلى جيل كامل، وعمل وتأهيل تنموي للإنسان العربي، الذي يعاني من الأمية والفقر والإحباط.
إلى اللقاء.