تحقيق عبد الله الضراب
تزخر كتب الأدب والتاريخ بل شروح الأحاديث وكتب التفاسير بالإشارة والحديث عن وادي القرى وأهله (ساكنيه) حديثا لا يخلو من التشويق والإثارة، فقد قال الحازمي: (جاء ذكره كثيرا في الحديث والمغازي) مما يعطى موضوعنا أهميه متنامية، وذلك لأهمية المنطقة وساكنيها قديما وحديثا، كما أعطى وقوعها على طريق حاج مصر والشام بعدا حيويا آخر.
ورغم ما أشرنا إليه فإن تحديد موقع هذا الوادي بدقة لا يزال يحفه الغموض والتعميم لدى من تحدث عن هذا الوادي؛ حيث نقله البعض عن موضعه وتوسع بعضهم فرآه أودية عديدة. ولأجل هذا بذلت هذه المحاولة واجتهدت للوصول إلى الصواب آملاً في إضافة تخدم هدف إيضاح معالم المنطقة وتعين على استناد الأبحاث الخاصة بها على أساس أوضح للوصول إلى نتائج أكثر دقة، والله الموفق للصواب وهو المستعان وعليه التكلان.
أوادي القرى أودية أم واد ؟
لاخلاف في أن وادي القرى كان يسمى بهذا الاسم؛ بالإفراد حيث لم أر من سماه بالجمع أو التثنية «أودية القرى» أو «واديي القرى» والذين حددوا القرى الواقعة عليه حددوها بدقة بالميل فلو كان الوادي غير محدد الموقع لم يكن لهذا التحديد معنى، ولكن قد يلتبس على البعض نسبة بعض المواضع إلى الوادي وهي غير واقعة عليه فهذه نسبة جهة وناحية وقرب لا نسبة وقوعها عليه.
وقد نقل ياقوت الحموي عن أبي المنذر: سمي وادي القرى لان وادي القرى من أوله إلى أخره قرى منظومة وكانت من أعمال البلاد وآثار القرى إلى الآن بها ظاهرة، إلا أنها في وقتنا هذا كلها خراب.
ومما يؤيد ذلك وصف البلدانيين للمنطقة حيث يذكرون ما قبل وادي القرى وما بعده أو ما هو أسفل منه وما هو أعلى منه مما يدل على انحصاره في منطقة محددة لا عدة مناطق، مثل وصف مطران أسفل منه و العوالي (العلا) فوقه، وغير ذلك من الأمثلة التي سترد لاحقا وتعني أن الوادي منطقة محددة أو منظومة كما أشار إلى ذلك أبي المنذر في نقل ياقوت المشار إليه آنفا.
تحديد جهة الوادي وموقعه بالنسبة
لمواضع معلومة:
بالرجوع إلى كلام البلدانيين عن الوادي وجهته بنسبة إلى مواضع معلومة نجد أنهم نصوا على ما يلي:-
- قال ياقوت الحموي: وادي القرى واد بين الشام والمدينة وهو بين تيماء وخيبر فيه قرى كثيرة وبها سمي وادي القرى.
وقال ياقوت في سياق حديثه عن العلا: هو اسم لموضع من ناحية وادي القرى بينها وبين الشام.
ووصف ابن كثير رحمه الله الحجر بأنها بين وادي القرى و الشام.
ومن النقلين الأخيرين يعلم أن وادي القرى إلى الجنوب من العلا والحجر وان وادي القرى ليس عين العلا أو الحجر بل هو غيرهما مما يقع إلى الجنوب منهما
ولكن ما هو حد البعد عنهما؟!
يوضح ذلك أمرين:-
الأول ما نص عليه صاحب كتاب بلاد العرب لغدة الأصفهاني حيث يقول في كتابه «بلاد العرب « ص400: «وأسفل من وادي القرى مما يلي مطلع الشمس أرض بيضاء طيبه يقال لها مطران الأسود».
ومن المعلوم أن مطران هذا لا يزال معروفا وهو يقع تقريبا إلى الجنوب من وادي العلا وهو أسفل من وادي العلا فيكون وادي القرى بين العلا ومطران في جهة يقع مطران منها في جهة مطلع الشمس،هذا من ناحية الجهة: فماذا عن المسافة و البعد؟.
حدد ابن جرير -رحمه الله- بعد قرح عن الحجر بـ 18 ميلا ومن المعلومات على ضوء الاكتشافات الأثرية أن قرح هو ما يعرف حاليا بالمابيات (انظر كتاب العلا دراسة في التراث الحضاري و الاجتماعي د.عبدالله بن آدم نصيف) وقد أشار ابن قتيبة أن قرح هي وادي القرى أو هي سوق وادي القرى فهو أقرب الأودية إليها ومن المعطيات التي أوردتها لاحقا يتضح لنا موقع الوادي وجهته وبعده مقارنة بمواضع لا زالت معلومة فإلى ذلك.
ماهو وادي القرى على ضوء التسميات الحديثة:-
لا يعرف حاليا في المنطقة واد بهذا الاسم حيث اختفى هذا الاسم من الألسن وسنستعرض النصوص التي سيتم محاولة تحديد الوادي بناء عليها.
قال لغدة الأصفهاني في كتاب بلاد العرب ص400:
«وأسفل من وادي القرى مما يلي مطلع الشمس أرض بيضاء طيبه يقال لها مطران الأسود».
ولا زال اسم مطران يطلق على موضع في المنطقة وهو يقع مطلع شمس عن أعلى وادي أبو نخلة (مغيرا)ومما يؤيد ذلك وقوع المابيات على جانب هذا الوادي وهي التي توصلت الاكتشافات الأخيرة الأثرية أنها هي قرح وادي القرى أو سوق وادي القرى
وثمت قرينة أخرى تدل على ذلك، وهي أن وادي ابونخلة يتصل من جهته الجنوبية الغربية بوادي الجزل وقد وصف البشاري في أحسن التفاصيل سقيا الجزل بأنها أحسن مدن هذه الناحية والنخيل والبساتين متصلة من قرح إليها، والأقرب أن سقيا الجزل هي ما يعرف الآن بالخشيبة (أنظر الآثار الإسلامية في شمال غرب المملكة- مدخل عام- د.علي غبان)
كما وجدت كلاما للشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في حاشيته على كتاب المناسك للحربي أو الطريق لوكيع ص400 حيث وصف السقيا (سقيا الجزل) بأنها تقع في التقاء وادي الجزل الذي لايزال معروفا بهذا الاسم يلتقي بوادي القرى.
وهذا النقل السابق نقل هام في تحديد وادينا والتعرف عليه، وليت الشيخ حمد حدد مستنده الذي استند عليه فيما ذهب إليه في نقلنا السابق عنه. ومما يدل على ذلك ما ورد في وفاء الوفاء ص 1029 في أثناء ذكره لمساجد غزوة تبوك: (الرابع عشر بالصعيد صعيد قرح، الخامس عشر بوادي القرى).
فدل ترتيب هذه المساجد للقادم من تبوك أن وادي القرى منفصل وانه يقع بعد قرح (المابيات حاليا) للمتجه جنوبا وهذا يؤيد كلامنا السابق وينطبق تمام الانطباق على وادي أبو نخله (مغيرا).
مما سبق يمكن التوصل إلى مايلي:-
1 - وادي القرى واد واحد وليس أكثر من واد، وهو واد قبل أن يكون منطقة وناحية وان كانت منطقته وناحيته اكتسبت اسمه فيما بعد، ولكن هذا لا يعني أنها هو.
2 - وادي القرى ليس - كما اشتهر- وادي العلا ونسبة العلا إليه نسبة قرب وناحية لا نسبة وقوعها عليه.
3 - الوادي الذي تنطبق عليها الأوصاف التي أوردها المتقدمون والأبعاد هو وادي أبو نخلة (مغيرا)جنوب العلا.
4 - يؤيد ما ذهبنا إليه وجود العديد من معالم الاستيطان الحضاري القديم على عدوتي هذا الوادي (أي جانبيه) وفي أثنائه حتى وصوله إلى قرية الخشيبة والتقائه بوادي الجزل بشكل ملفت للنظر.
5 - وقد تكون تسمية امغيرا هي تحريف لتسميه القرى مع مرور الوقت، فأم هي ال.....التهاميه في القرى، كما في ليس من امبر ام صيام في ام سفر, وغيرا تقابل قرى في القرى.