العنوان أعلاه ليس جملة ترددت مؤخراً، أو عبارة وضعتها وزارة الداخلية لافتة في الطرق وعلى الجسور أو الكباري، بل هذه الجملة نطق بها سيد البشر وأصدقهم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهي تلخص خطورة حمل السلاح، وأن حامل السلاح في وضع خطير دينياً ومنبوذ اجتماعياً، بل هو صاحب سلوك ليس بسلوك إسلامي وصاحبه ليس منا.
أنا هنا لم أقصد الحديث عن هذا الحديث وشرحه، وهو بالمناسبة من الأحاديث ذات الدرجات العليا في مراتب الأحاديث الصحيحة، وإنما أردت عن جانب تراثي مهم سار عليه الآباء والأجداد قديماً، وهو أن السلاح مع أهميته الكبرى للفرد في تلك الحقب القديمة، إلاّ أنه كان من المعيب استخدامه عند أدنى خلاف بين متخاصمين إلا في ظروف معيّنة وحتى لو كان السلاح في أيدينا، وحتى لو كنا في لحظة غضب أو عراك، لأنّ استخدام السلاح له آداب وضوابط قديماً ونصّت عليها بعض الكتب، وبعض العادات الاجتماعية والسلوم القبلية.
والمتأمل في كتب التراث سيجد بعض المؤلفات تحمل عنوان السلاح، وتتحدث عن هذه الأداة التي استخدمها كثير من الناس الاستخدام الأسوأ، فكانت النتائج الأسواء.
وحتى في زمننا القريب جداً وقبل استكمال الجوانب الأمنية في هذا الوطن الكريم، فلم تكن ثقافة التعالم الراقي مع السلاح غائبة حتى وإن أطل الشيطان بقرنيه طالباً حمل السلاح بين أبناء الوطن الواحد، يحدثني الأستاذ محمد الشامخ بأنه ومن خلال بحثه للكثير من الخلافات التي تنشأ على بئر ماء قبل سنوات ليست بالبعيدة، أو أي جانب آخر مما يختلف عليه الناس آنذاك، فإن السلاح كان في أيديهم، ولا يستخدمونه بل كانوا يرون رفع السلاح في مثل هذه الأمور معيباً، لأنّ الوضع لا يتطلّبه فيما بينهم، ونقل لي قصة مفادها أن شريحتين من المجتمع اختصمتا على شرب ماء في نقطة التقاء بين مسافرين ومقيمين، فكان الخلاف بين الطرفين على أشده بالأيدي والرمي بالحجارة، مما تسبب في وقوع جرحي ومصابين بين الطرفين، ولم يستخدم أي من الطرفين السلاح مع أنه كان قريباً جداً منهم بل بعضهم كان متوشحاً بالسلاح.
ومن المواقف الطريفة والتي تستحق أن تسجل أن أحد أطراف هذه المعركة كان يزحف (يحبو) على الأرض للنيل من أحد الخصوم، وبحسب رواية الشامخ الموثقة أنه كان يزحف وكان يشد على ظهره بندقيته ولم يفكر في استخدامها بل إن هذا الزاحف المحمل ببندقيته أصيب إصابة بالغة منعته من الحركة، وكل هذه الحوادث المثيرة لم تجعل أياً من الطرفين يستخدم السلاح سواء كان البندقية أو السيف أو الخنجر لأنه وبحسب العرف الاجتماعي آنذاك، فإنّ استخدام السلاح لابد أن يصاحبه دم وهذا ما لا يريده المتخاصمون آنذاك، بل يرون عاراً عليهم، لأنهم أرادوا تأديب الخصم وليس قتله.
ومع أن الحجارة قد تدمي إلا أن استخدامها في أغلب الأحيان لا يوصل إلى القتل فمن أجل هذا كانت هي وسيلة المعركة !!
وفي بعض الأعراف الاجتماعية في الجزيرة العربية في تلك الفترة لو حدثت معركة بين شخصين وضرب أحدهما الآخر بيده ضرباً مبرحاً وآذاه وأوجعه ضرباً، فإنه أخف في العرف الاجتماعي منه لو رماه بسلاح ولم يصبه.
ومن المعروف سلفاً لديهم أن استخدام السلاح الناري هو بداية لانطلاق أزمة جديدة وكبيرة لذا كان السلاح هو الخيار الأصعب والأبعد.
وتأملوا لو كان هؤلاء يستخدمون السلاح في كل خلاف بينهم مع أنه كان قريباً منهم، والنظام كان بعيداً عنهم، أتظنون سيبقى لهم نسل حتى يومنا هذا؟!
وبعد هذا كله ألا نجد أن في ما تقدم رسالة مهمة لأشخاص خالفوا دينهم ونظام وطنهم وإنسانيتهم فحملوا السلاح واستخدموه، فكانت النتائج محزنة ومدمرة للمشهد التنموي والوطني.
للتواصل tyty88@gawab.com