في كل حوار بناء يلتقي أبناء الوطن عبر طاولة مربعة يثبت مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني المهنية الرائدة والنظرة الثاقبة في اختيار المشاركين والمشاركات بعيداً عن النخبوية والإقليمية والمناطقية والمذهبية، عدا عن انتقاء الموضوع الحي واختيار المكان والزمان.
وفي نجران (بلاد الأخدود) كان اللقاء الثامن متشحاً باللون البني، والشعار الرزين (حوار بين المجتمع والمؤسسات الصحية).
التقى المشاركون واستحوذوا على ثلاثة أضلاع المربع يمثل بعضهم نفسه من خلال اهتماماته وثقافته، وبعضهم يمثل المنظمة التي يعمل فيها. وفي الضلع الرابع يترقب الوضع وكلاء وزارة الصحة ومديرو العموم ومسؤولو المؤسسات الصحية المختلفة بتفاؤل أو وجل.
اختلفت الرؤى والتقت التطلعات، وحين فرضت وزارة الصحة رؤيتها على الحضور؛ قابل المشاركون تلك الرؤية بالنقد والتمحيص ولاسيما حين غابت الشفافية وحضرت المقارنات بين الوضع الصحي في بلادنا والبلاد الأخرى.
رأى المشاركون أعمدة الإحصاءات بعضها تختال طولاً وبعضها يزحف على الأرض كأنه سيقان الحنظل، وحمدوا ربهم حين وجدوا العناية الصحية في بلدهم أفضل بكثير من العناية المقدمة لمهجّري الكونغو والصومال وأدغال أفريقيا، وأحسن حظاً من بلاد البنغال وجزر المحيط الهندي! إلا أن الغيرة أصابتهم بمقتل حين رنوا لأعمدة الأمريكان والأوروبيين فرأوها تزهو بطولها كالنخيل السامقة، حيث تنعم شعوبها بصحة وافرة لما ينالونه من اهتمام ومتابعة من لدن وزاراتهم، وما يحظون به من تأمين صحي وتوفر أدوية، عدا عن برامج التثقيف الصحي ونشر الوعي عندهم. ونحن لا نشكك أبدا في جهود العاملين في وزارة الصحة، بل قد نعزو التقصير لضعف الإمكانيات التي تتجه غالباً للمعارف والأقارب والأصدقاء. ولمَ لا؟ فهم إما مواطنون مثلنا، أو وافدون يستحقون الضيافة والكرم، وربما يفيض الخير ويَصِلُ لبعض المواطنين! وأرجو أن لا يتسرب اليأس لقلوبهم فلم تبق إلا القلوب سليمة، ونرجو أن تتطهر من الشك أو الغيرة أو الحسد.
فحين يموت أحد بسبب الأخطاء الطبية فهذا قضاء وقدر؛ لأنه لا يمكن أن يتعمد طبيب أو ممرض قتل نفس مؤمنة إلا إذا كان مهملاً، والمهمل سيناله العقاب بدون ضمان عودة الروح للمتوفى، الذي قد لا تُدفع الدية لذويه باعتبار أن الإنسان أغلى من كنوز الدنيا كلها ولا يقدر بثمن! لذا فمن غير اللائق رفع قضية على الطبيب المتسبب أو المطالبة بإغلاق المنشأة الصحية وقطع الأرزاق! وهنا تكون الحصانة هي الملاذ واللجوء لابتعاث ذلك الطبيب أو نفيه خارج البلاد! وشجب نشر هذه الحوادث في الصحف بدعوى الشحن الإعلامي، والمطالبة بتوفر أخلاقيات المهنة للصحفي وفي المقابل تجاهل تعميق أخلاقيات المهنة للطبيب!
والواقع أن الأخطاء الطبية لا تتوقف عند العمليات الجراحية فحسب؛ بل تتعداها إلى الخطأ في كتابة اسم عقار طبي مما قد يؤدي لكارثة! وهي مناسبة لأتساءل عن سبب رداءة خطوط الأطباء عند كتابة الوصفات، وأتعجب من قدرة الصيادلة على قراءة الوصفات ذات الكتابة المسمارية. وقد يستندون على الحدس أو تخصص الطبيب أو لأن الأدوية أصبحت غير ذات جدوى أو من فئة عند اللزوم أو بدون لزوم!
ولأن الوزارة مثقلة بل مترهلة تجوس فيها البيروقراطية المقيتة حتى عند دخول مريض لمستشفى، كما تتجول في أرجائها المحسوبية البغيضة حين يلجأ المريض لاستخدام مصطلح (تعرف أحد؟)! لذا تجدر المطالبة بتخصيص وزارة الصحة وربطها بالتأمين الصحي والتخلص من كل أشكال الفشل والإحراج الذي يكتنف مسؤوليها حتى لم يجدوا للشقوق راقعاً سواء بنقص برامج التوعية الصحية أو رداءة أداء مراكز الرعاية الصحية الأولية التي أصبحت القوارض تتلصص على ملفات مراجعيها، وقد تنقل معلوماتها لقوارض أخرى حيث لا سرية لملف ولا حق لمريض، بل لا خصوصية لمنوم في مستشفى وكأنه ينام في شارع وليس في غرفة لها حرمتها.
rogaia143@hotmail.Com
www.rogaia.net