كنت أتمنى لو أن أحداً من جمهرة كتاب الأعمدة اليومية في صحافتنا.. تناول هذا الموضوع ب «الاستفسار» عن حقيقته؟ أو «استنكاره».. أو حتى «تبريره» إذا علم عن حقيقة هذا الرسم الأبدي الدائم وشرعيته....
|
والذي يسمى في فواتير «شركات الاتصالات»: «أجور شبكة» «أو باقة».. لكان أراحني، وأخرجني من «حرج» حشر قلمي في مثل هذه المواضيع التي تهم كتاب الأعمدة اليومية في المقام الأول.. بل ويعتبرونها - وهم على حق - حرماً لهم، بأكثر مما تهم كتاب المقالات والدراسات أو الأبحاث أو المطولات عموماً.. من أمثالي!
|
ولكن.. ولأن ذلك لم يحدث، أو لأنني لم أطلع عليه.. إذ لا أحسب أن في مقدور أي قارئ متابع لصحافتنا أن يتمكن من قراءة - أو حتى الاطلاع - على هذا «الكم» الهائل مما تتناوله أو تبحث فيه أو تتحدث عنه هذه «الأعمدة» من المشاكل والمسائل اليومية التي يعيشها المواطنون والمقيمون على السواء.. حتى بات التفاعل معها من قبل الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات العامة - وبكل أسف - نادراً، أو معدوماً..!!
|
على أي حال.. سواء تناسى كتاب الأعمدة الصحفية هذا «الأمر» سهواً أو قصداً أو اعتبروه قضية مسلماً بها.. لا تحتاج إلى مناقشتها فضلاً عن الجدل حولها، أو أنه أساساً «حق صريح» تتقاضاه شركات الاتصالات عن خدماتها التي تقدمها ل «مشتركيها».. لا يستوجب الاستفسار فضلاً عن الاستنكار أو الاعتراض عليه، ولذلك تناسوه.. وصرفوا النظر عنه، فإن الأمر.. لم يكن كذلك بالنسبة لي وبالتأكيد لمئات الآلاف - أو الملايين - من المشتركين الذين يدفعون هذا «الرسم» كل شهر أو شهرين مضطرين مجبرين.. وإلا فإن سيف قطع الخدمة عنهم جاهز ل «العمل»..!!
|
فهذا الرسم المسمى: (أجور شبكة أو باقة) يطالعني كما يطالع المشتركين في خدمة «الجوال» مع كل فاتورة.. ويذكرني - كما يذكرهم - بنفسه مع كل فاتورة، لأسأل في كل مرة.. عن الحق في فرضه على المشتركين دون أن أجد جواباً.. ودون أن أجد في نفسي ما يقنعني بوجاهته أو شرعيته، مع استمراره وديمومته التي امتدت على مدى سنوات(!!) دون أن تلوح له نهاية.
|
قد تقول شركات الاتصالات.. إنها تحصِّل رسم «أجور الشبكة» أو «باقة» هذا المنفصل عن فاتورة المكالمات الدولية والمحلية والتي تبلغ الآلاف أحياناً.. لتغطية نفقات التأسيس الأولى، وإقامة أبراج الاتصالات في طول الوطن وعرضه.. وباتساعه، وتشغيلها وصيانتها ومتابعة كفاءة وحسن أدائها..
|
فإننا نقول لها: «و.. أيكون ذلك إلى ما لا نهاية»..؟ أو إلى أبد الآبدين.. أم أنه لابد وأن يكون له سقف زمني محدد بثلاث أو بخمس أو حتى بعشر سنوات يتم خلالها سداد نفقات التأسيس، ثم تعود الأمور إلى طبيعتها.. فلا يدفع معها المشتركون في الخدمة غير فواتير مكالماتهم الباهظة أصلاً، والتي لا أريد أن أدخل في دوامة الجدل حول تسعيرتها الأساسية.. إذ سيتبارى القانونيون في الشركات دفاعاً عن سعر الدقيقة الواحدة.. وأنه الأفضل، بل والأرخص بين دول العالم قاطبة، لأنني أريد أن أقصر مقالي هذا على أمر واحد.. هو ما تسميه الشركات ب «أجور الشبكة» أو «الباقة»، الذي يُفترض أن يختفي بعد فترة زمنية معينة.. لا أن يبقى رقماً منفصلاً يضاف إلى فاتورة المكالمات ليدفع المشترك المبلغين معاً، والويل له إن تأخر.. أو لم يدفع!!
|
ربما نسي.. المشتركون في خدمة شركات الاتصالات كم هي المبالغ التي يدفعونها كل شهر أو شهرين ك «أجور للشبكة» أو «باقة» إلى جانب فواتير مكالمتهم (الفاتورة.. تأتي متضمنة فقرتي: أجور المكالمات وأجور الشبكة أو الباقة) نتيجة (الدوخة) التي وضعتهم فيها «الشركات» وهم يلهثون من سداد فاتورة لأخرى!! فليس هناك - في أعمال شركات الاتصالات - ما هو أكثر دقة وانتظاماً من إرسال «الفواتير» إلى أصحابها على عناوينهم.. أو على هواتفهم، أو عليهما معاً.. ضماناً لوصولها، مصحوبة بتحذير ناعم (قاتل): بأن عدم تسديد الفاتورة يعرض عميلنا الكريم (!!) إلى قطع الخدمة عنه، فبادر بالتسديد مشكوراً أيها «العزيز»!!
|
لهؤلاء.. الذين نسوا كم هي «أجور الشبكة» أو «الباقة» التي يدفعها العميل ل «شركات الاتصالات» كل شهر أو شهرين، فإنني أذكرهم بأنها ثمانون ريالاً..؟ وعلى أي محاسب مبتدئ.. أن يخبرنا كم تحصل الشركات ك «أجور شبكة» «باقة» في كل عام لو أن عدد عملاء الشركات هم عشرة ملايين عميل.. فقط؟
|
لقد قمت بدور هذا المحاسب المبتدئ.. فوجدت أن إجمالي ما تحصله الشركات تقريباً في العام هو أربعة مليارات وثلاثمائة مليون ريال سنوياً.. أما إذا كان عدد العملاء - أو المشتركين - قد تصاعد إلى خمسة عشر أو عشرين مليون عميل.. أو مشترك.. فإنني أترك حساب ما تحصله شركات الاتصالات من «أجور للشبكة لشركة الاتصالات أو الباقة لشركة موبايلي» في العام الواحد فقط.. لبراعة المحاسبين الأكفاء في علم المحاسبة!!
|
يقول رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السابق الدكتور عبد العزيز الراشد في حديث صحفي أجرته معه هذه الصحيفة (الجزيرة) بعد ثلاث سنوات من قيام الشركة: «استطعنا منذ تأسيس الشركة في منتصف عام 1998م تحقيق حجم مبيعات كبير.. بلغ في العام الأول 9 مليارات، وفي العام الذي يليه 1999م ارتفعت المبيعات إلى خمسة عشر مليار ريال، والعام الماضي (أي عام 2000م) بلغت مبيعاتنا حوالي سبعة عشر ملياراً، ونتوقع أن تتجاوز نهاية العام الحالي (2001م) عشرين مليار ريال».. وهو ما يعني أن عدد المشتركين في خدمة جوال «شركة الاتصالات» قد تضاعف خلال السنوات الأربع الأولى من عمل الشركة.. إلى ما يزيد عن 100%، أما عددهم اليوم.. فلا أدري كم بلغ إذ لا معلومات موثقة لدي عن عددهم.. وحجمهم..؟
|
لكن صافي أرباح تلك المبيعات أمكن الكشف عنه حديثاً عبر موقع الشركة على شبكة الإنترنت، حيث (بلغ في العام ما قبل الماضي - 2008م - ما يزيد على أحد عشر ملياراً من الريالات، بينما بلغ صافي أرباح الشركة.. عن الربع الأول من العام الماضي - 2009م - فقط ألفين وأربعمائة وثمانية وثمانين مليون ريال).. أي ملياري ونصف مليار ريال تقريباً..!! فكم هي إذاً أرباح شركة موبايلي؟
|
ورغم هذه الأرقام.. والأرباح الفلكية التي حققتها وتحققها شركة الاتصالات ومثلها شركة موبايلي.. إلا أن بند «أجور الشبكة أو الباقة» في كل فواتيرهما ظل على حاله.. لم «يُلغ».. وهو الحق، ولم يُخفض.. وهو أضعف الإيمان، وظل المشتركون في الخدمة بملايينهم.. يدفعونه بسيف الخوف من قطع الخدمة عنهم، لا بسيف القناعة ب «حق» الشركات في تلك الأجور..؟ والشركات سعيدة بسباقهم (البينالي.. كل شهر أو شهرين لا كل عامين) في دفع فواتيرها (وبينها.. أجور الشبكة أو الباقة) وهي تضع ساقاً فوق ساق!؟
|
فمن أقرَّ الشركات على «أجور الشبكة» أو «الباقة» هذه.. إن كانت تسعين أو ثمانين أو سبعين أو حتى ستين ريالاً؟ بل.. ومن الذي حددها أصلاً وبهذه الأرقام المبالغ فيها، ولهذه الأزمنة المفتوحة..؟
|
هل أُستشير «مجلس الشورى».. مثلاً؟ أو تم استمزاج رأي «هيئة كبار العلماء» في شرعية هذه الأجور.. وأبديتها..؟ أم أن مجلس إدارة شركات الاتصالات الأول برئاسة الدكتور الراشد أقرها عام تأسيس الشركة وسارت شركة موبايلي على خطاها على طريقة مثلنا الشعبي: (مُدّوا.. واللي ياكل الفرش مش زي اللي يعدو)، ثم سار عليها المجلس الثاني برئاسة محافظ مؤسسة النقد الدكتور محمد بن سليمان الجاسر طالما أن هؤلاء المشتركين الطيبين المسالمين يدفعونها دون أن يتبرم أحد منهم.. أو يعترض عليها معترض منهم.. أو يستفسر عن شرعيتها أحد منهم..؟
|
ولكن.. ولأنني أعلم أن مؤسسة النقد عند فجر تكوينها كانت تتحرى «الشريعة» و»الشرعية» في أعمالها حتى لا تقع في حومة «الربا» حرصاً على النجاة.. مما توعد به الخالق جل وعلا من محاربته، ولأنني أحسبها اليوم في حاضرها.. لا تنفصل عن ماضيها، وقد آلت إليها أو لشخص «محافظها» رئاسة مجلس إدارة شركة الاتصالات.. فإنني أتساءل: أين ذهب تحريها الشرعي القديم والجميل..؟ وكيف تم تغييب الشرعية عن أمر كهذا.. يمس المواطنين والمقيمين جميعاً سواء في شركة الاتصالات أو شركة موبايلي..؟
|
لقد تحولت «أجور الشبكة» هذه التي تم ويتم تحصيلها بيسر وسهولة تغري (أي مجلس إدارة) بالاستمرار في فرضها وتحصيلها.. إلى شيء أقرب إلى «الضريبة» أو «الإتاوة».. الشهرية، التي على المواطن والمقيم أن يدفعها ل «شركات الاتصالات» ساخطاً أو راضياً.. دون أن يعرف «لماذا»..؟ وعن ماذا يدفع تلك المبالغ المتسلسلة وإلى ما لا نهاية..؟
|
لكأن حالنا مع «أجور الشبكة أو «الباقة» هذه... يشبه حال أشقائنا المصريين في ثلاثينات أو أربعينات القرن الماضي.. مع «المجلس البلدي»، الذي كان يلاحق الجميع بأنواع من «الضرائب» ما أنزل الله بها من سلطان، فلم ينج من ضرائبه أحد.. حتى الباعة المتجولون وأصحاب عربات الخضروات والفاكهة.. بل وبائعو «الفجل» «الغلابة» على الأرصفة، إلى أن انتبه لحالهم زجال مصر الأشهر والأعظم (بيرم التونسي).. فكتب معبراً عن حالهم مع «المجلس» و»ضرائبه» قائلاً:
|
(يا بائع الفجل بالمليم واحدة |
كم للعيال.. وكم للمجلس البلدي |
إذا الرغيف أتى.. فالنصف آكله |
والنصف أجعله.. للمجلس البلدي |
كأن أمي أبَلَّ الله تربتها |
أوصت فقالت: أخوك المجلس البلدي) |
فزال «المجلس» وزالت «ضرائبه».. وهو ما لا نرجوه - بالتأكيد - لمجلس إدارة شركات الاتصالات وشركة موبايلي، ولكن الذي أرجوه ويرجوه كل مواطن ومقيم هو أن تزول أجور الشبكة أو الباقة هذه: الدائمة والفادحة وغير المبررة.
|
فالكل في النهاية.. لابد وأن يخضع لمنطق «الحق» أياً كانت «الشهوات».. لأنه أحق أن يتبع.
|
|
|