Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/04/2010 G Issue 13712
الاربعاء 29 ربيع الثاني 1431   العدد  13712
 
إلى الأمام
اغتراب العربية في عقر دارها (2 من 3)
د. جاسر عبد الله الحربش

 

إلحاقاً لما ورد في الحلقة الأولى أعرض هنا بعض المؤشرات على ما زعمته عن اغتراب اللغة العربية في جزيرة العرب:

1 - مقارنة القدرة التعبيرية لتلاميذ وطلبة مدارسنا السعودية بقدرات أقرانهم في مصر والسودان وبلاد الشام وموريتانيا.

2 - مقدار التمكن اللغوي الفصيح لمعلمينا وأئمة مساجدنا ومديري مؤسساتنا بأندادهم في البلاد العربية الأخرى.

3 - الانتشار الواسع للأسماء التجارية والمواد الإعلانية باللغة الانجليزية حتى لو كتبت أحياناً بالحروف العربية.

4 - تسلل المفردات الأجنبية بغزارة إلى العربية المحكية لكل الطبقات والأعمار.

5 - أخيراً لا آخراً الانهيار العلمي شبه الكامل للغة العربية والاستعاضة عنها بالإنجليزية.

أعود إلى النقطة الأولى: مقارنة تلاميذنا وطلبتنا فيما يخص مهاراتهم اللغوية بأقرانهم العرب لا تؤدي إلى الفخر والاعتزاز بل إلى الحسد. يصاب الوالدان السعوديان بالاندهاش ويبسملان ويحوقلان وهما يطالعان قنوات الأطفال العربية ويلاحظان مدى التدفق التعبيري ومقدار الثقة بالنفس لدى أبناء العرب الآخرين، ومدى الجفاف والتلعثم كمؤشرات على الانكماش النفسي واللغوي لدى أبنائنا، مع بعض التفاوت من منطقة إلى أخرى، إذ قد يكون أبناء السواحل أفضل قليلاً يليهم أبناء البادية البعيدون عن الكثافة السكانية.. لكن الأمر يبقى واضحاً لا لبس فيه، أي عجز هنا وطلاقة هناك. لا شك أن الميزات التربوية التي يتلقاها طفلنا العربي في مصر والبلاد العربية الأخرى تساعده على الانفتاح الشخصي والتدفق التعبيري لأنه ابن بيئته المنفتحة، ولكن مفرداته وجمله التي يستعملها تكون أكثر دقة وتناسقاً لأنها نتاج بيئته الأفضل لغة أيضاً. إذا اعترفنا بمحتوى الأسطر السابقة نكون قد سلمنا بوجود أصل العلة في البدايات، أي في المراحل الطفولية والتربوية الأولى، وهذه أخطر وأهم مراحل الاغتراب اللغوي.

انتقل إلى النقطة الثانية أي مصيبتنا اللغوية في معلمينا وأئمة مساجدنا ومديري مؤسساتنا وهي قضية لا تحتاج إلى تعليق. نفرح إذ نشاهد في محفل أو في مقابلة على قناة فضائية من يتحدث من الفئات المذكورة أعلاه بالعربية الفصحى. كلهم أو أغلبهم يلجأ إلى الدارجة لأنه يستطيع التعبير بها بطريقة أدق وأسهل. ليس في المسألة احتقار للفصحى، لكنه واقع العجز عن استعمالها بمقدار يفي بالغرض. مرة أخرى إذا قارنا قدرات فئاتنا المذكورة بأندادهم من إخواننا العرب تحمر وجوهنا خجلاً ونطلب من الله الستر. إذا نحن هنا نواجه خللاً لغوياً وظيفياً ولكن هذا المسؤول العاجر هو النسخة البالغة لذلك الطفل المنكمش الذي تطرقت إليه سابقاً. لعل أكثر ما يحز في النفس في هذا المقام هو ما يحدث في خطبة الجمعة من لحن في القول وتكسير في قواعد اللغة يشيب لهولها الولدان.

النقطة الثالثة هي الانتشار الواسع للأسماء التجارية والإعلانية باللغة الإنجليزية حتى وإن كتبت أحياناً بالحروف العربية. لا أستطيع أن أقول في هذا سوى أنه قلة حياء وصفاقة من الجهات المسؤولة عن إصدار التصاريح بهذه الأسماء، علاوة على أنها للأسف تدل على فقدان الإحساس بالتاريخ والانتماء الوطني المطلوب من مسؤولي وموظفي تلك الجهات. هل سبق أن رأيتم في إحدى العواصم العالمية أي مؤسسات عامة أو خاصة تعلن عن نفسها ومكانها ونشاطها بغير لغة القوم في تلك الدولة؟

لماذا نحن مفرطون ومتهاونون مع لغتنا إلى هذا الحد رغم ما نتشدق به من أنها لغة الإعجاز القرآني؟

أما النقطة الرابعة والخامسة فلهما من الأهمية ما يجعلهما يستحقان حلقة خاصة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد