بجواره حول طاولة نقاش..، ولأنه مصاب برهاب المرض، ومنه ارتفاع درجة الحرارة تحديدا..، ولأن الجالس بجواره مصاب برشح قوي، فقد ضاق ذرعا بعطسه، وتأوهاته، بينما هذا الآخر حريص على الاجتماع، لم يحدث أن تغيب عن يوم عمل، وإن هدّت كتفيه أثقال العمل أو طعنت في جنبيه آلام المرض، ومع كامل تهذُّبه في التعامل مع حالة الرشح، إلا أن صاحبنا قد رفع يده لمرات حتى تمكن من الانتقال إلى جهة بعيدة عن جاره على الطاولة...، خرج من الاجتماع وأطلق لأنفه الفكاك من لثام الرهاب الذي أسدله عليه بطرف «غترته»، وما إن استقل العربة التي ستنقله إلى مكان آخر ليقدم تقريرا عن الاجتماع للرئيس، إلا وبادر السائق برجاء استبدال هواء التكييف في العربة بفتح الزجاجة إمعانا في الهروب من بيئة العربة الملوثة بأنفاس السائق الذي كان مصابا هو الآخر بنوبة رشح وسعال شديد..، تأوه صاحبنا حين قال له زميله في العمل المرافق له : «من فضلك، لدي عذري في عدم احتمال هواء الشوارع المشبع بالأتربة والعوادم..»، وما إن دخل مكتب الرئيس إلا بادره بالمصافحة من أخذه لمختصر اجتمع فيه برئيسه الذي جلس يستمع إليه وهو يشرح تفاصيل الاجتماع الذي قدم منه، بينما كان الرئيس مقتربا جادا منه وهو الآخر مصاب بنوبة حادة من السعال والرشح، أقصياه عن حضور الاجتماع البعيد مكانا عنه، وأسقط في يده، إذ لن يقدر على التهرب من المكان ولا الكلام..، في حضرة الرئيس الذي أنهى الجلسة بتقديم تعليماته إليه أن يتجه للمطار فبانتظاره مقعد ليقله لمدينة أخرى، مكلف لتوصيل ملف عاجل، وحضور اجتماع طارئ، وفي الطائرة، ما إن جلس وشد الحزام حول خاصرته، وأخذ يعبث بورق الصحيفة، إلا وبدأ المجاور له في عزف آهاته المكتومة، واستقبال رذاذ عطسه في منديل على راحة كفه، ولم يكن من خيار له في الجلوس، ولا في احتمال سعال جاره في المقعد ولا تقبل أنفاسه اللصيقة ضيفة على مجرى شهيقه وزفيره، وعاود الحظ أن يركب عربة استقباله ومن كان في استقباله مصاب بالرشح ذاته، و... وما إن جاء صباح اليوم التالي إلا وهو يقدم اعتذاره عن العودة، إذ أصيب بنوبة رشح مضاعفة، كانت
هدايا مشتركة استقبلها دون رضاه...