العبارة التي أطلقها رئيس الوزراء التركي في حفل افتتاح القناة الفضائية (التركية) باللغة العربية عبارة مهمة ذات مدلول حضاري عميق، فالعرب أمة ذات قيمة كبيرة بين الأمم بعد أن منَّ الله عليهم بأن بعث منهم نبياً عربياً خاتماً للأنبياء عليه وعليهم السلام، فهداهم - بإذن الله - بعد ضلالة وجمعهم بعد شتات، وارتقى بعقولهم وقلوبهم بعد فترات طويلة من الانحدار والهبوط.
لقد قالها أردوغان بوضوح لا تشوبه شائبة مخاطباً العرب: (بدونكم لا معنى للعالم) وليس المقصود هنا الجنس العربي في حدِّ ذاته، وإنما المقصود العرب بقيمهم ومبادئهم ودينهم الإسلامي العظيم، عرب {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، عرب (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، عرب (الله أكبر ولله الحمد)، عرب {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، عرب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، عرب (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله) نعم هؤلاء هم العرب الذين لا معنى للعالم بدونهم، وهذا هو الذي أراده أردوغان من خلال سياق كلامه، هؤلاء هم العرب الذين لا معنى للعالم بدونهم، أما عرب (الخضوع للأعداء والتذلل لهم) عرب (الدرهم والدينار) عرب (القبليات والعنصريات والعنجهيات) عرب (الفضائيات الهابطة) عرب (التناحر والخصام) عرب (التقليد للغرب الراكض وراء سراب الأوهام) عرب (المراقص والملاهي)، أما هؤلاء العرب فلا معنى لهم في مقياس دينهم وأخلاقهم، ولا معنى لهم عند الآخرين مهما كانت علاقاتهم بهم، ومهما كانت ثرواتهم، ومقاماتهم الدنيوية.
وهنا نقول لأردوغان: إننا نرى لك كلاماً جميلاً منذ طلع نجمك في سماء سياسة تركيا، ونتابع لك من المواقف الصريحة الواضحة ما يثلج الصدر، وما يجعلنا نرى تحقيق ما نؤمن به من أنَّ الله سبحانه وتعالى يمهل أهل الباطل ولا يهملهم ذلك الإيمان الذي نشأنا عليه وسرنا به في دروب الحياة، ونسأل الله سبحانه وتعالى لنا جميعاً أن نموت عليه، إيماننا يا أردوغان بأن الله متم نوره ولو كره الكافرون، وأنَّ نصر الله آتٍ مهما كانت قوى المعتدين الحاقدين على الحق والهدى واليقين.
نرى لك ونسمع ما يسر وجدان المسلم فنحييك وندعو لك، ومن هذا المنطلق نقول: إن كل عمل تركي إعلامي أو غير إعلامي في هذه المرحلة التي يظهر فيها وجه سياستكم المشرق في بعض المواقف المهمة مع الإسلام والمسلمين ومع قضايا العرب، يجب أن يكون منسجماً مع السياسة ذات الجوانب المشرقة التي تبرزونها في بلادكم وفي المحافل الدولية، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن قناتكم الفضائية (التركية) التي أطلقتموها باللغة العربية لا بد أن تكون منسجمة مع المبادئ التي تعلنونها، وأن تكون إضافة متميزة إلى إعلام عربي إسلامي مستقيم المنهج، واضح الهدف، رفيع المستوى، وأن تكون مصدراً مهماً للأخبار الصحيحة, والبرامج النافعة، والمقابلات المفيدة وأن تعكس للناس ما يجري في تركيا من تغيير إلى الأفضل سياسياً وعلمياً، واجتماعياً وثقافياً، وهذا الأمر يستدعي عناية خاصة بالمادة الإعلامية التي تعرضها هذه القناة، فالمشاهد العربي المسلم يشتكي من الإعلام القائم على الإثارة الصارخة سياسياً، واجتماعياً وفنياً، دون مراعاة لتعاليم الإسلامي وقيم وأخلاق المجتمع المسلم، لقد ضاق المشاهد العربي بمشاهدة بعض الأفلام التركية المدبلجة التي عرضت على الناس في السنوات الماضية بصورة هابطة لا تليق بالمجتمع المسلم ومبادئه وقيمه وأخلاقه. وهذا يؤكد أن مسؤولية الفضائية التركية العربية مسؤولية أخلاقية بالدرجة الأولى في كل ما تتعرض له من القضايا والموضوعات، هذا ما سيجعلها ذات أثر فعّال، وذات مكانة كبيرة في نفوس المتابعين وهذا ما نؤمل أن يلتفت إليه القائمون على القناة التركية ويهتمون به، وما أسعدنا بكل جديد مفيد.