يعتبر معرض ألف اختراع واختراع ثمرة جهود بذلك من قبل أكثر من خمسين باحثاً في عدد من الجامعات العالمية المرموقة وذلك على مدار ما يزيد على عقد من الزمن وقد استهدفت هذه الأبحاث كشف التراث العلمي الإسلامي للحضارة الإسلامية والذي امتدت إلى أكثر من ألف عام منذ القرن السابع حتى القرن السابع عشر للميلاد.
وتأتي انطلاقة مسيرة هذا البحث العلمي في عام 1993م عندما نوه الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا في خطابه الذي قدمه في أكسفورد وأشار من خلاله إلى الامتنان والتقدير للتراث العلمي والثقافي الذي ورثته الحضارة الغربية من الحضارة الإسلامية، وهذا الأمر يتضامن مع ما وجده كثير من المؤرخين في كتب التاريخ من فجوة سوداء يشار إليها في بعض الكتب بـ(العصور المظلمة) وهي فترة تفصل بين الامبراطورية الرومانية وعصر النهضة في أوروبا.
وقد جاءت مبادرة معرض ألف اختراع واختراع ليتبنى كيف عمل الرجال والنساء في مختلف الأديان في عصور مضت جنباً إلى جنب لتأسيس قواعد علمية بنيت على منجزات وحضارات سابقة للارتقاء بنوعية الحياة الإنسانية وفي مبادرة مشتركة بين مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة وبين مؤسسة عبداللطيف جميل أحد برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع، تم إعداد هذا المعرض ليكون معرضاً متجولاً في عدد من دول العالم ليقوم بإيصال رسالة هامة وأساسية تساهم في إلهام الشباب والشابات ما قدمه العلماء المسلمون في ذلك الوقت ليكون مصدر إيماء وإثراء لأفكارهم بحيث يمكنهم من تقديم أعمال مشابهة.
وبهذه تحدث لـ»الجزيرة» السيد فادي محمد عبداللطيف جميل رئيس برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع الدولية، وقال عن هذه المبادرة:
منذ أكثر من عشر سنوات وبرامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع تقدم الدعم لمجموعة من المشاريع الدولية التعليمية والاجتماعية التي تهدف إلى زيادة تكافؤ الفرص والتفاهم المتبادل بين الثقافات المختلفة في العالم.
وفي عام 2009 تم عقد شراكة مع مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة، التي هي مؤسسة أكاديمية معروفة على الصعيد العالمي، تهدف إلى إقامة معارض متجولة تبرز دور العالم الإسلامي في تاريخ العلوم والتكنولوجيا والفنون.
وخلال ستة أشهر، أي في شهر كانون الثاني- يناير 2010م كنا نقدم بكل اعتزاز معرضاً فريداً متكاملاً، هو معرض: «ألف اختراع واختراع: كشف التراث الإسلامي في عالم اليوم»، ليُعرض في متحف العلوم المتميز في لندن. وقد حظي المعرض باهتمام كبير من أهم وسائل الإعلام وأوسعها انتشارًا، واجتذب أكثر من عشرة آلاف زائر في الأسبوع.
هذا النجاح الكبير ليس إلا البداية في رحلة تستغرق خمس سنوات ينتقل فيها معرض ألف اختراع واختراع إلى عشرات المدن الرئيسية في القارات الخمس. وتأمل مؤسسة عبد اللطيف جميل أن يفيد هذا المعرض المتجول في تأصيل فهم أفضل للتراث الإنساني الذي شاركت في صنعه كل الثقافات والأديان والحضارات.
وعن المعرض بيّن فادي جميل بأن معرض «ألف اختراع واختراع» مبادرة تعليمية عالمية تهدف إلى التعريف بالمنجزات العلمية والثقافية التي حققتها الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى. وقد قدمت معرضا عالميا متجولا، انطلق في متحف العلوم في لندن في شهر كانون الثاني- يناير 2010م.
وقد تم إنجاز هذا المعرض الجديد الجذاب بالمشاركة مع مؤسسة عبد اللطيف جميل إحدى برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع. واستطاع المعرض أن يجتذب أكثر من عشرة آلاف زائر في الأسبوع إلى مركزه في أشهر متحف علمي في أوروبا، ليقدم إلى مجموعات متباينة من المشاهدين حقيقة أساسية، وهي أن التراث الإسلامي يتبوأ مركزاً عالياً في موروث البشرية العلمي والثقافي.
كانت مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة هي التي أنشأت المعرض، بدعم مادي من الحكومة البريطانية. وقد تعاونت المؤسسة مع عدد من أشهر الأساتذة الجامعيين في العالم لإنتاج معروضات تعليمية مثيرة ومعارض ديناميكية تفاعلية لجمهور عالمي.
وحول قيام الحضارة الحديثة من لا شيء بين فادي أن الحافز الذي ولّد عصر النهضة في أوروبا هو ما شهده العالم الإسلامي من منجزات علمية وثقافية رائدة، على أيدي علماء ومبدعين من مختلف الأديان، فتحت آفاقا جديدة واسعة، غير أن هذه الحقيقة التاريخية ظلت منسية إلى حد كبير. ومعرض ألف اختراع واختراع المتجول في العالم يضم عشرات من هذه المعروضات التي تضفي الحياة والإثارة على أمر لا يعطى حقه من التقدير.
وعن رسالة المعرض أوضح: بأنه يتضمن 3 محاور رئيسية هي:
التعليم:
كان للمكتشفات التي حققها رجال ونساء من مختلف العقائد والأديان، كانوا يعملون في ظل الحضارة الإسلامية، بين القرن السابع والقرن السابع عشر أثر ضخم لكنه خفيّ في عالم اليوم إذ كانت تلك هي الفترة التي أعطت الإنسانية أول رحلة جوية، وحققت منجزات هندسية ضخمة، وطورت العمل الآلي، ووضعت أساس الرياضيات الحديثة، والكيمياء والفيزياء.
المتعة والشوق:
يضم معرض ألف اختراع واختراع معروضات تفاعلية يجربها الزوار وألعابا، ونماذج مستحدثة لمنجزات هندسية رائعة، وأفلاما تنقل المشاهدين في رحلة سحرية شيقة عبر الزمن لاستكشاف بعض الجذور العلمية والثقافية للحضارة الحديثة.
التمكين:
إن معرض ألف اختراع واختراع، إذ يقدم صورة حقيقية دقيقة لما أحدثته الحضارة الإسلامية من أثر في تشكيل الصورة الحديثة لحياتنا، فإنه يبرز التراث المشترك للعديد من الثقافات المتباينة في العالم. وإن الفهم الأفضل لجذور العلوم والتكنولوجيا، والتي تتجاوز الحدود التي تفصل بين الثقافات المختلفة، ليشجع على الحوار والتناسق الاجتماعي، ويتغلب على التصورات الخاطئة التي تدعي التفوق الثقافي لبعض الأجناس.
وحول خطة المعرض للمستقبل قال: ابتدأ معرض ألف اختراع واختراع، بالمشاركة مع مؤسسة عبد اللطيف جميل، رحلة حول العالم تستمر خمس سنوات، مبتدئة انطلاقها من متحف العلوم العالمي في لندن، وذلك في شهر كانون الثاني- يناير 2010م.
يزدهي المعرض بعشرات من المعروضات التي تبهج الزائرين وتزيد معارفهم. فهو يضم معروضات تفاعلية يجربها زوار المعرض، كما يضم ألعابا إلكترونية، ومجسمات صُممت لتستهوي الصغار والكبار على السواء وسيواصل المعرض بعد انتهاء عرضه بلندن في 30 من يونيو 2010 م جولة لعدد من دول العالم المختلفة في أوروبا وآسيا وأمريكا.
وفي توضيح عن فيلم مكتبة الأسرار المصاحب للمعرض أجاب: بأنه يبدأ في تعريف الزوار بالحضارة الإسلامية بمشاهدة فيلم تسجيلي بعنوان «ألف اختراع واختراع ومكتبة الأسرار». وقد أعدّ الفيلم خصيصا للمعرض، وهو يعرض على شاشة ترتفع سبعة أمتار. ويتخذ الفيلم، الذي يستغرق 13 دقيقة، أسلوب القصة القصيرة فيرافق بعض الطلاب الصغار في رحلتهم التي يكتشفون فيها الحقبة المسماة خطأ بالعصور المظلمة، ويقوم الممثل الحائز على جائزة الأوسكار، سير بِن كينغزلي بدور المهندس الجزري، الذي عاش في القرن الثاني عشر، فيعرف أولئك الطلاب بالثروة العظيمة من المخترعات والإبداعات التي شهدها العالم الإسلامي في الحقبة التي امتدت من القرن السابع إلى القرن السابع عشر.
وعن الأجنحة التي يتكون منها المعرض بيّن فادي بن محمد جميل قائلا: إن أهم معروضات جناح المنزل في المعرض نموذج حديث لساعة الفيل التي صنعها الجزري، المهندس الشهير. أما المعروضات التي تنتشر من حول الساعة فتدعو الزوار إلى اكتشاف أن الأدوات التي يستخدمونها كل يوم في منازلهم ترجع في أصولها إلى ما كان سائدا في أدوات ووسائل المتعة والراحة في بغداد أو في إسبانيا المسلمة. إذ يتبين الزائر مثلا أصول آلة التصوير، والموسيقى الحديثة، وكيفية شرب القهوة، وكيف كان أسلافنا يستخدمون كل ذلك.
كانت معارف الحضارات الإنسانية تجد تقديرا عاليا في العالم الإسلامي. وجناح المدرسة في المعرض يُظهر كيف استطاع العلماء في الحضارة الإسلامية أن يبنوا جامعات ومكتبات، وأن يترجموا آلاف المخطوطات إلى اللغة العربية، وكيف كان العلماء في الحضارة الإسلامية، على اختلاف أديانهم، يستخدمون الأساس الذي بدأته حضارات سابقة، فيبنون عليه ويضيفون إليه، وكيف أصبح لديهم بذلك فهم أفضل وأعمق للرياضيات والكيمياء والهندسة والفنون.
يدين الطب الحديث بالكثير للأطباء القدامى من ذوي البصيرة والفكر، أمثال ابن سينا والزهراوي. وقد أسمي جناح المستشفى في المعرض باسم موروث آخر من الحضارة الإسلامية، ألا وهو المستشفى نفسه. ويزهو الجناح بالمكتشفات الرائعة في الجراحة ومعالجة السرطان والتطعيم، وكلها بدأت في العصور الوسطى. وفي تلك الحقبة بدأت تخصصات الصيدلة وطب العيون، كما اكتشفت أسرار الدورة الدموية. وتوصلت الحضارة الإسلامية إلى فهم أدق لتشريح جسم الإنسان.
كان العلماء في العالم الإسلامي في العصور الوسطى يتقبلون مبدأ كروية الأرض، حتى أنهم قاسوا حجم كوكب الأرض، ومسارها في دورانها حول الشمس، وتوصلوا إلى قياسات قريبة من قياساتنا المعروفة اليوم. ويروي جناح العالم في المعرض كيف استطاعت الحضارة الإسلامية أن تزيد فهمنا للكوكب الذي نعيش عليه. إن معرفتنا بعالمنا أصبحت أغنى بكثير بفضل التراث الذي وصل إلينا من الحضارة الإسلامية.
أما جناح المدينة فهو يفتح أمام أعيننا كيف استطاعت الحضارة الإسلامية إحداث تطورات واسعة في الهندسة المدنية، وفي تخطيط المدن والبساتين. ولقد كانت هذه التطورات تجمع التقدم العبقري بالحس الجمالي الراقي. بل لقد تملكت فكرة تجميل العالم الذي يعيشون فيه أذهان المهندسين في الحضارة الإسلامية فبنوا الأبراج اللولبية العالية، والأقواس الأخّاذة، والقباب البديعة، والحدائق التي يفوح عطرها من كل جانب، ويجد فيها الناس المتعة والراحة.
وفي جناح السوق نكتشف أن الحضارة الإسلامية لم تكتف بوضع قواعد صارمة يلتزم بها التجار والباعة، وتشجيع انطلاق ثورة جديدة في عالم الزراعة، بل إنها أدركت أهمية الحفاظ على البيئة والتعامل معها برفق. وقد أدت ضرورة الري لإنتاج المحاصيل الغذائية إلى اختراع الآلات التي تعمل تلقائيا، والأجهزة ذاتية العمل، وطواحين الهواء والسدود.
أما في جناح الكون فنتعرّف على أول رحلة جوية قام بها الإنسان، إذ انطلقت هذه الرحلة في الأندلس قبل طيران الأخوين رايت بأكثر من ألف سنة. وفي تلك الآونة كان الفلكيون في أرجاء العالم الإسلامي يستخدمون أجهزة وآلات دقيقة وحسابات معقدة لفك ألغاز الكون الفسيح. وقد وضع العلماء في الحضارة الإسلامية أسس علم الفلك الحديث مستخدمين أجهزة الاطرابات التي بلغت مستوى عاليا من الدقة، والسدسيات الضخمة التي يبلغ طولها خمسين قدما وتقيس ارتفاع الأجرام السماوية. واستخدموا في ذلك أيضا القواعد الرياضية المعقدة. ونعرف أن العديد من الأجرام الكونية والفوهات البركانية على سطح القمر تسمى بأسماء الفلكيين في الحضارة الإسلامية.
وحول التطلعات الدولية لهذا المعرض العالمي قال رئيس برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع الدولية:
المشروع عالمي، ويفتح معرض ألف اختراع واختراع ذراعيه لجمهور عالمي بلغات مختلفة ويخاطب كل الأجيال. وفي هذه الإستراتيجية نستخدم المعارض المتجولة، والكتب، ومنتجات تستعمل في الفصول المدرسية، ووسائل رقمية واجتماعية، في إطار حملة تسويقية متكاملة.
وبين فادي جميل في ختام حديثة بأن المعرض هو فكرة نموذجية تم إعداده ليكون ملخصاً وموجزاً لما هو موجود في كتاب 1001 اختراع واختراع، كما أن المعرض يساهم في إعادة إلهام الشباب والشابات في العالم الإسلامي ليعملوا على إحياء مثل هذه الاختراعات والمبتكرات والسعي نحو القيام بتقديم اختراعات ومبتكرات جديدة أخرى.
