Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/04/2010 G Issue 13712
الاربعاء 29 ربيع الثاني 1431   العدد  13712
 
من التقويم المستمر إلى التقويم الأصيل.. حتى لا تتكرر الأخطاء!
تهاني الخريجي (*)

 

بزغت شمس التقويم المستمر قبل عدة سنوات عن فترة ركود التقويم التقليدي المتمثل باختبارات آخر الفصل.. وكأي جديد.. ومثل أي تغيير.. هوجم هذا النوع من التقويم بهجمات شرسة على الصعيد التربوي والاجتماعي في أول بداياته.. ومنشأ مهده..

وأول الهجمات على التقويم المستمر كانت من أولئك الذي اعتادوا النمط الروتيني والأسلوب التقليدي في جعل الجهد التقويمي على الطالب, وتحميله مسؤولية تقدمه، ورمي الحبل على الغارب إلى نهاية السنة الدراسية. فنجاح الطالب ورسوبه في السابق كان يعتمد على الطالب وحده.. وعلى أدائه الأوحد آخر العام.. والذي - من وجهة نظر أنصار التقويم المستمر - قد كان له نصيبه من الراحة طوال العام الدراسي حتى إذا ما أطلقت صفارات إنذار الاختبارات لف المنزل شبح الاختبارات والاستذكار والاستعداد لها وكأن أهداف التعليم قد انحصرت لتتحقق في أسبوعين بل حتى لتقاس فيهما فحسب!!وبعد فترة ليست بالقصيرة.. تجاوز المعلمون مرحلة المقاومة للحديث.. والوقوف على الوعود بالتجربة والتطبيق ليكون الحكم على هذا النوع من التقويم أكثر صدقا وأقرب للتجريب منه للعشوائية، فما لبثوا أن شعروا بصواب حدسهم حول ذلك النازل عليهم والحالّ على فصولهم.. وثاروا ثورة أشد من الأولى لتنادي بالعودة إلى الاختبارات وعدم الاقتناع بالتقويم المستمر.. واستمر الكثير منهم في تطبيق التقويم المستمر مع اقتناعهم بعدم جدواه.. أو لأكن صريحا.. بالتسليم على عدم الأمل في زحزحته قدر أنمله.. فالأبحاث تثبت جدارة هذا النوع والدراسات النظرية تؤكد فعاليته في قياس مستوى الطالب على مدى واسع طوال العام، لكن الواقع يقول ما لا تقوله الأرقام والأوراق! وصار هذا التسليم بعدم القدرة على إقصاء التقويم المستمر مصحوبا بالروتين الذي يعشقه ثلة كبيرة من المعلمين.. بل ويكاد -في أبسط صوره- يلبس التقويم المستمر حلة الاختبارات التقليدية بثوب خفي وبطريقة جديدة.. فيجعله منحصرا في صورة اختبارات تحريرية يومية ! وذلك في إحدى المحاولات الحثيثة للوصول إلى الموضوعية في الحكم والقياس, وهروبا إلى الحيادية، حوّل كثير من المعلمين تلك المتابعة إلى أوراق عمل -وسمها إن شئت- اختبارات يومية بدلاً من تقويم جاء بغرض متابعة الطالب ورفع مستواه وتحمل مسؤولية تقدمه ونموه على جميع من هو مخول بالعملية التعليمية. وأضحت جل العملية في أغلب صورها ورقة العمل كان يفترض أن تكون جزءا من عملية القياس لغرض التقويم ورفع مستوى الطالب وليس مجرد قياس تحصيله.. فتجد المعلم يجعل من التقويم المستمر اختبارات يومية ثقيلة لا تمت لاستمرارية التقويم بصلة تذكر.. بل تتوقف على ما يسترجعه الطالب من معلومات فورية في نفس الحصة الدراسية, وليس مستوى إتقانه الفعلي للمهارة.. وتحولت العملية إلى جهود غير مجدية لا تحقق من الأهداف المرسومة إلا القليل مقارنة بالجهد المبذول.. فتذمر المعلمين - وحق لهم - من كثرة أوراق العمل التي يردفون كل حصة بها ظنا منهم بأن هذه طريقة السلامة من المساءلة في التقويم المستمر..

ففي كثير من الأحوال يقتل التطبيق الخاطئ التنظير الصحيح, وتذيب القناعات الهشة أسس النظام وإن كان نموذجيا.. ليذهب بفاعليته أدراج الرياح.. ويحول دون تحقيق أهدافه. وهو كذلك الحال الذي لم يكن مختلفاً كثيرا في التقويم الحديث والطفرة الجديدة في التقويم التربوي التي تعرف بالتقويم الأصيل أو التقويم الحقيقي، ذلك النوع من التقويم الذي تمحور في عملية إشراك الطالب في عملية التقويم بل وإشراك البيت مع المدرسة والمدير وكل من هو مسؤول عن العملية التقويمية.. ويقصد به التقويم القائم على الأداء, الذي يتطلب من المتعلم تنفيذ أنشطة أو تكوين نتاجات تبين تعلمه، و تبرز ما يمكنه أداؤه في مواقف واقعية.

فجاء التقويم الأصيل كالسوبر مان الذي يحل ما عجزت أساليب التقويم التقليدية عن حله في معالجتها لرفع مستوى الطالب.. وللتقويم الأصيل أساليب عدة وأدوات مختلفة كان أبرزها ملفات البورتفوليو Portfolio التي تقيس نمو الطالب وتتابع نموه وتساعد على تقويمه لذاته في صورة الأعمال التي يقدمها وينجزها خلال فترة معينة. وأشد ما قد تتعجب له عند تطبيق أحد أساليب التقويم الأصيل، كأسلوب مثل البورتفوليو؛ أنك تصطدم بواقع مرير عدم نجاح مثل تلك الأساليب الحديثة في التعليم لدينا، و عدم الخروج بالنتائج المتوقعة.. ولاسيما فيما يتعلق بتطبيق البورتفوليو في تنمية بعض الجوانب العملية والتي تعتمد على تفعيل المعلومة وربطها بالواقع وفي نظري هذا أهم أهداف التقويم الأصيل التي تعطي للتعليم قيمة.. فلا قيمة لمعلومة لا يفعلها الطالب في حياته ويحل بها المشكلات التي تواجهه في المجتمع ولا يطبقها من حوله؛ فقد وجدت أنه من الصعوبة بمكان أن تحقق تلك الأساليب القوية من التقويم الأصيل فعاليتها في التعليم، على الأقل على المدى القريب وفي الوقت الحالي..وتساءلت من جديد عن السبب؟، فهل هو كما سابقه لدى التقويم المستمر عبارة عن نجاح في التنظير وفشل في التطبيق؟ أم أن المسألة هي أبعد من ذلك، وأكثر تعقيدا من مجرد عدم الإحساس بالجدوى أو الحماس للعمل في تحقيق الأهداف المرجوة ؟! ووجدت نسبة كبيرة من فشل نتائج تطبيق التقويم الأصيل قد يتحملها إغفال ما تضمنه خروج مثل تلك الأساليب الحديثة من تغييرات مساندة بل أساسية لنجاحها، وعلى سبيل المثال.. فإن الأسلوب الحديث للتقويم والمتمثل في التقويم الأصيل يتطلب نوعا خاصا من الانجازات والأداءات العملية.. فهي أعمال واقعية يمارسها الطالب بنفسه.. وهذه في أبسط صورها تحتاج إلى ما يعرف بمصادر التعليم.. وتوفر كتب منوعة تشمل المطبوعات والمراجع الورقية والإلكترونية.. وهو الأمر الذي تفتقده كثير من مدارسنا.. فلا مرجع لمصادر الانجاز للطالب.. ولا أجهزة حاسوب ترتبط بالشبكة العنبكوتية لأغراض علمية في المدرسة.. ولا بيئة مهيأة للطلاب للحصول على أعمال وأداءات متنوعة.. فضلا عن ممارستها بأنفسهم أو تطبيقها بشكل واقعي.. ناهيك عن ثقافة الخروج عن الكتاب المدرسي عند الآباء وأولياء الأمر.. وتصور أن ذلك نمطاً لا منهجياً يحمّل الطالب جهدا لا أصل له.. ولا يحق للمعلم تكليفه به بصفته - باعتقادهم - جزءا بعيد كل البعد عن المقرر المطلوب.

والأدهى من ذلك أن هذا النوع من التقويم شأنه شأن التقويم المستمر يتطلب متابعة دورية.. ويقف تكدس أعداد الطلاب في الفصل الواحد إلى ما يربو 40 طالبا, على رأس قائمة عقبات التطبيق, حيث يتوجب على المعلم متابعة ذلك الانجاز وقياسه بل وتوجيه ذلك الأداء للطالب وتقويمه.. وهو ما لا يمكن أن يتاح للمعلم في 45 دقيقة يروم فيها استخدام أساليب حقيقية لتقويم مستوى طلابه وقياس نقاط القوة وتعزيزها ومعالجة نقاط الضعف في خطط إجرائية متلاحقة، مع ما يلزمه من تطبيق استراتيجيات حديثة للتعليم في الدرس الجديد وتفعيل أساليب إبداعية خروجا عن الروتين ومحاولة لمشاركة الطالب في المعلومة بعيدا عن الحشو المعرفي الذي ظل ردحا من الزمن! وبذلك يحتاج المعلم أن يكون روبوت آلي يمكنه الجمع بين تكدس المنهج وتكدس الطلاب والإبداع في التقويم والتدريس معاً في وقت ضيق لا يمكن فيه معه إثارة مشاركة الطلاب أو حتى معالجة فروقهم الفردية.. وغن كان التقويم المستمر قد توصل إلى أهمية تدريب المعلمين لتطبيقه بطريقة صحيحة فإن التقويم الأصيل يتطلب إلى ما أبعد من ذلك, حيث أن الطالب يشارك فعليا في عملية التقويم الأصيل, وهو أسلوب لم يعتد الطلاب على مثله من قبل. ذلك وسائل التقويم الأصيل تعتمد على التقويم الذاتي ، في صورة جديدة من صور تحمل المسؤولية ، واتخاذ القرار في تحديد نقاط القوة والضعف لعملية التغذية الراجعة ؛ وهو نقيض ما اعتاد عليه الطالب من الاقتصار على عملية التلقي في التعليم ، والاعتماد الكلي على المعلم في الطرق التقليدية للتقويم. لذا ؛ قد يلزمنا في أساليب التقويم الأصيل فترة كافية لتدريب الطلاب لتحقيق نتائجه وتطبيقه بشكل صحيح.

وأبسط ما قد ينتظره المعلم لتطبيق مثل تلك الاستراتيجيات الحديثة والجديرة بالتطبيق الفعلي أن ينظر خبراء التعليم والتقويم إلى الوسائل المساندة لتحقيق أهدافها بعين من الاهتمام والاعتبار... وأن لا نحلق بآمالنا مع كل توجه جديد دون محاولة للتغير الجذري وتوفير إمكانيات تضمن تفعيل تلك الإستراتيجية بشكل مقبول وإتاحة وسائل وطرق تطبيقها.. ومن ثم تدريب المعلمين, والطلاب على حد سواء لتطبيقها.. وتهيئة المجتمع لتقبلها والعمل لإنجاحها.

(*) أ. المناهج وطرق التدريس للعلوم الشرعية


Xto2X@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد