الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
حرص الدين الإسلامي في جميع أحكامه على ترسيخ الوسطية والاعتدال في نفوس المسلمين، وإبعادهم عن التعصب الذي يؤدي بالإنسان إلى الوقوع في أمور مذمومة، بل ومحرمة، من انتهاك الحرمات وإيذاء الناس، وأحياناً قد تؤدي به إلى ارتكاب تصرفات وأعمال هوجاء لا تحمد عقباها.
والتعصب في عصرنا الحاضر أصبح ظاهرة واضحة للعيان لتشمل كثيراً من تعاملات البشر، ومن ذلك الأنشطة الاجتماعية المختلفة، وهذا الأمر أصبح يهدد العلاقات الإنسانية داخل المجتمع المسلم، وحيث إن الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية أكدت على نبذ مثل هذه الظواهر السيئة.. ماذا يتوجب على العلماء وطلبة العلم والدعاة لمواجهة ذلك، وكيف نحد من انتشار مثل هذه الظواهر؟
استشعار العداوة
في البداية يقول د. ناصر بن عبدالله التركي - عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض: لا شك أن التعصب في عصرنا الحاضر يشكل ظاهرة واضحة يراها أفراد المجتمع من خلال التعاملات بينهم مما يهدد العلاقات الإنسانية داخل المجتمع لذا يلزم العلماء والدعاة مواجهة ذلك من خلال المحاضرات والدروس وخطب الجمعة ببيان خطورة انبعاث العصبية بين أفراد المجتمع حيث إن تفشي هذه الظاهرة بينهم يدعوا إلى التحزب والتكتل حيث تتحزب كل قبيلة أو طائفة ضد الآخرين وهذا يؤدي إلى استشعار عداوة الآخرين ووجود نظرة الشك والريبة إلى كل من هو خارج عن طائفته أو قبيلته وهذا ما أحدثته فعلا العصبية في المجتمع الإسلامي عبر عصوره المختلفة حيث خلفت التحزبات القبلية والمذهبية مما أثار الأحقاد والعداوات بين أفراد المجتمع ولئلا تتكرر هذه يجب على العلماء والدعاة أن يبينوا أن استفحال العصبية العنصرية يؤدي إلى إشعال نار العداوة بين أفراد المجتمع وتفككه وأن يبصروا الناس بالسبل التي اتخذها ديننا الإسلامي الحنيف لتفادي العصبية حيث أكد على إلغاء كل المفاهيم السائدة في الجاهلية الداعية إلى تفرق المجتمع ومن هذه المفاهيم: الدعوة إلى العصبية من خلال الاعتزاز بالآباء والأجداد والافتخار بالقبيلة وهذه لها آثارها الخطيرة على كيان المجتمع المسلم فقد نهى الله عزوجل عن جميع المفرقات الطبقية والعرقية وبيّن أن المسلمين بانتمائهم للإسلام سواء فليس هناك فرق بين عربي وعجمي ولا بين أبيض وأسود فالأفضلية للأتقى منهم حيث يقول عز وجل:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فالله سبحانه وتعالى بيّن لنا أن الناس وإن اختلفوا في المظاهر الخارجية وصاروا شعوباً وقبائل فهم من أصل واحد فلا ينبغي أن يختلفوا ويتفرقوا، إن الغاية من جعل الناس شعوباً وقبائل ليست التناحر والخصام إنما هي التعارف والوئام.
إن المفاضلة بين المسلم وأخيه المسلم إنما تقاس بالتقوى وبالصفات الحقيقية ذات القيم المتفاضلة كالعلم والعمل الصالح ونحو ذلك وبهذا تسقط جميع الفوارق ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة هي التقوى وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر وبذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس ويظهر أساس رئيس للألفة والتعاون بينهم وهو ألوهية الله للجميع وخلقهم من أصل واحد.
إذاً ينبغي من العلماء والدعاة أن يحاربوا التعصب بكل صوره وأشكاله من أجل المحافظة على كيان المجتمع وأن يبينوا للناس ما جاء عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم من التحذير الشديد للعصبية فقد نهى عن الدعوة إلى المفاهيم الجاهلية والعصبية القبلية وحذر من ذلك بقوله: (دعوها فإنها منتنة) وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من دعا بتلك الدعوة الجاهلية وبيّن أن مصيره جهنم حتى ولو قام بأركان الإسلام من صلاة وصيام حيث يقول: (من دعا دعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم) قالوا: يا رسول الله: وإن صام وصلى قال: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)، ووصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأقبح الأوصاف حيث قال: (إن الله عزوجل قد أذهب عنكم عُبّيَّةَ الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن).
من أجل رعاية المجتمع المسلم ووحدته نهى الإسلام عن مثل تلك الدعوات الجاهلية التي تفرق المجتمع وتكسر وحدته، وعدّها ظلماً كبيرا وإثما عظيماً وعود بهذا المجتمع إلى ما كان في الجاهلية من التفرق والتمزق الذي كان بسبب العصبية والأنانية.
الفهم السليم
أما الشيخ محسن بن سيف الحارثي - مدير مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة نجران فيقول: إن الإسلام هو دين الوسطية والسماحة والإخاء والمحبة والاعتدال قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} والميزة الأساسية التي ميز الله هذه الأمة عن باقي الأمم هي ميزة الوسطية والاعتدال ونبذ ظاهرة التعصب بكل أنواعه فإن تخلت عنها الأمة تخلت عن أبرز معالمها وعن أجمل صورها لأنها هي المنظار الذي جعله الله لهذه الأمة فالوسطية والاعتدال ليس مجرد موقف في التشدد والاعتدال بل هي منهج فكري وسلوك أخلاقي قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} وأهل السنة والجماعة في جملتهم هم أهل التوسط والاعتدال في كل أمور الدين عقيدة وعلماً وعملاً وأخلاقاً ومواقف.
وجاءت شريعتنا الغراء بحفظ العقول والأفكار وجعلت ذلك إحدى الضرورات والحاجة ماسة إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل العلم لاسيما وأنه في هذه الآونة الأخيرة هبت رياح تيارات التعصب والفرقة. والتعصب يعتبر مشكلة حيوية في التفاعل الاجتماعي وحاجزاً يصد كل فكرة جدية ويعزل صاحبه عن مواصلة ما يحتاج ومنشؤها الاجتماعي هي مجرد اضطرابات في نمو الصحة العقلية والنفسية للفرد.
ولقد حثنا ديننا على نبذ هذه الظاهرة بجميع أنواعها وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحفاظ على وحدة وسلامة المجتمع من هذه الأمراض الفتاكة قوله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين ففي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وللحد من ظاهرة انتشار التعصب لابد من الفهم السليم للتعاليم الدينية وعدم ربط الأفعال العدوانية للمتعصب بالنسب، والاعتراف بالخطأ وتقبل النقد من الآخرين، ومقاومة الفتن وعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم السلف الصالح، وغرس ثقافة المحبة ونبذ ثقافة الكراهية.. عند ذلك نستطيع أن نحد من هذه الظاهرة.