Al Jazirah NewsPaper Friday  09/04/2010 G Issue 13707
الجمعة 24 ربيع الثاني 1431   العدد  13707
 
طالبهم بإخلاص النية وابتغاء مرضاة الله.. د. أحمد المباركي عضو هيئة كبار العلماء لـ(الجزيرة):
على قراء القرآن الالتزام بأحكام التلاوة ومراعاة الآداب

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة):

أهاب معالي الشيخ الدكتور أحمد بن علي سير المباركي - عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، بقارئ القرآن بأن يحرص على مراعاة الآداب والأحكام المتعلقة بتلاوته، حتى يبارك الله له فيها، وينتفع بها، ومن ذلك النية الصالحة، والمداومة على تلاوة القرآن الكريم، والاجتماع على قراءته، وترتيله، والتدبر والتفكر في آيات الله، واستشعار معاني القرآن العظيمة، ومنزلته الرفيعة.

جاء ذلك في حديث لمعاليه عن فضل القرآن الكريم، وآداب تلاوته، والحث على تعلمه وتعليمه، وتدبر آياته وأحكامه.. حيث قال مستهلاً حديثه: إن القرآن الكريم أعظم الكلام؛ لأنه كلام الله تعالى أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم رحمة بالخلق ليقرؤوه، ويتدبروه، ويعملوا به، ويهتدوا به، قال تبارك وتعالى: {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وقال سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}، وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}، وقال جل وعلا: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري في صحيحه، فحَصَر النبي صلى الله عليه وسلم الخيرية فيمن ارتبط بهذا القرآن تعلماً وتفهماً وتعليماً، وهذا فضل عظيم يتسابق فيه أصحاب النفوس الرفيعة والهمم العالية.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عز وجل أهْلِين من الناس، قيل من هم يا رسول الله ؟ قال: أهل القران هم أهل الله وخاصته» رواه النسائي وابن ماجه.

وجاء في فضل قارئ القرآن أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.

وجاء في فضل قراءة كل حرف من حروفه ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (آلم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» رواه الترمذي وصححه.

فإذا كان هذا فضل القرآن وفضل تلاوته فإنه ينبغي لقارئ القرآن أن يحرص على مراعاة الآداب والأحكام المتعلقة بتلاوته حتى يبارك الله له فيها وينتفع بها فمن هذه الآداب والأحكام ما يأتي:

1- النية الصالحة:

والمراد أن يكون قصد القارئ في القراءة وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته والفوز بثوابه الذي وعده الله تعالى من قرأ كتابه، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغى به وجهه» رواه النسائي، ويدخل في هذا أيضاً نية الاهتداء بقراءته وفهمه والعزم على العمل به، فإن هذه النية تفتح للعبد أبواباً للهداية والخير والعلوم التي تصمنها هذا الكتاب العظيم.

2- الطهارة لتلاوة القرآن:

فإن كانت التلاوة عن ظهر قلب، فالطهارة مستحبة ليكون العبد ذاكراً لله تعالى في أحسن هيئة، وقد ثبت في سنن أبي داود عن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه وقال: «إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر».

3- استعمال السواك:

والاستياك من السنن المستحبة جداً وقد جاء فيه أكثر من مئة حديث في أوقات مطلقة ومقيدة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» رواه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان وغيرهم، وهذا الحديث يبين فضل السواك وأنه يطهر الفم وينظفه من الأدران والأوساخ ويطيب رائحته، وهو من الأمور التي تجلب رضا الله للعبد والقرآن الكريم طريقه الفم ولذا كان من المستحب تطهيره وتطييبه لأجل كلام الله تعالى.

وجاء في خصوص الاستياك عند قيام الليل وتلاوة القرآن في صلاة الليل ما أخرجه البيهقي والضياء المقدسي في المختارة من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستَك، فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع مَلَك فاه على فيه، لا يخرج من فيه شيء إلا دخل فم الملك».

4- الاستعاذة بالله من الشيطان قبل القراءة:

لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، أي: إذا أردت أن تقرأ.. وسواء كان ذلك في الصلاة أو في خارج الصلاة.

5- ترتيل القراءة:

ومعنى الترتيل: القراءة على مهل وإقامة ألفاظه وحروفه ومراعاة أحكام التلاوة قال الله تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، وقال سبحانه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ}، أي: يراعون أحكام قراءته ويقيمون ألفاظه وحروفه، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويتبعونه ويعملون بما جاء فيه، فكل هذا من تلاوة القرآن حق تلاوته.

6- تحسين الصوت بالقراءة:

وقد جاء الأمر بتحسين الصوت بالقرآن في أحاديث عديدة منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن»، وعن البراء ين عازب -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي.. فالمشروع لقارئ القرآن أن يحسِّن صوته بالقرآن ما استطاع استجابةً لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاداً في الترغيب في قراءة القرآن وسماعه، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً.. وليحذر القارئ من قراءة القرآن بلحون أهل الغناء فإن ذلك من المحظورات العظيمة؛ لأن معنى التغني المطلوب في قراءة القرآن قراءته على حسب الوجه الذي أنزل مع تحسين الصوت به.

7- التدبر والتفكر:

وهذا الأدب مع القرآن مهم جداً إذ هو من أعظم المقاصد لإنزاله قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}، وشدد النكير على من لم يتدبر فقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، فالواجب على قارئ القرآن أن يعقل كلام الله ويتدبره ويتأمله ليعرف مراد الله عز وجل ويوقن أن هذا الكتاب أول من يخاطب فإنما يخاطبه هو حتى يستشعر معانيه العظيمة ومنزلته الرفيعة.

وقد كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي أنبياء الله ورسله والصالحين من عباده إذا تليت عليهم آيات الله، قال سبحانه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا*}، وقال جل وعلا: {106} قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً {107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً {108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}.

وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي. قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}، قال: حسبك الآن. فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان»، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في قراءته في صلاة الليل ما أخرجه مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قالْ في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل: إذا مر بآية خوف تعوذ، وإذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية تنزيه سبح.

وكل ما سبق ما هو إلا ثمرة من الثمار الطيبة للتدبر والتفكر والخشوع ومعايشة القرآن بالقلب والقالب والتلاوة باللسان مع حضور الجنان، والقرآن أفضل الذكر، وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، نسأل الله من فضله.

8- المداومة على تلاوة القرآن:

المداومة على تلاوة القرآن دليل على الإيمان ومحبة القرآن ورفعة في درجات الجنان فإن منزلة الإنسان في الجنة عند آخر آية يقرؤها كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه آنفاً، وفي المداومة على قراءة كتاب الله خروج من الهجر المذموم الذي شكاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه في قوله سبحانه: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}.

والمكثر من تلاوة القرآن ممدوح مغبوط، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآنا النهار...» الحديث، ومعنى الحسد هنا الغبطة وهو: أن يتمنى الإنسان مثل ما عند أخيه من النعمة من غير أن يتمنى زوالها عن أخيه.

كما أن من فوائد المداومة وتعاهد القرآن دوام الحفظ لمن كان حافظاً وأبعد عن نسيانه وأعون لثباته في الصدر فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من قلوب الرجال من الإبل في عقلها» والتفصي: هو الذهاب والتفلُّت، والمقصود سرعة نسيان القرآن لمن لم يتعاهده دائماً بالمراجعة.

وما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فيه بيان إعطاء القرآن حقه من التدبر والتفكر والخشوع حتى مع كثرة القراءة.. والله أعلم.

9- الاجتماع على قراءة القرآن:

والمقصود بذلك أن يجتمع عدد من المسلمين لمدارسة كتاب الله تعالى قراءة وتعلماً وتفهماً وتدبراً، وقد جاء في الحديث الذي خرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» وهذا الاجتماع والتدارس مما يعين على زيادة الاستفادة من معاني القرآن وعلومه وتعلم أحكامه واستنباط فوائده وأسراره.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد