الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
أكد فضيلة عميد كلية أصول الدين بالرياض الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الهليل أن دين الإسلام وسط بين الأديان، مشدداً على أن الغلو والتشديد ليس من دين الله تعالى في شيء، بل الدين على خلافه، ومعبراً - في ذات الوقت - عن أسفه أننا نجد في زماننا هذا من يظن أنه لا يصلح الدين والتدين إلا بعبوس الوجه والتشديد على النفس والتضييق على الأهل والأولاد ومنع النفوس من حظوظها وراحتها!
وقال فضيلته - في حديث له عن وسطية الإسلام واعتداله - لقد شرع الله تعالى فيه من الشرائع أيسرها ومن الأحكام أعدلها وأكملها، حيث تعددت صور السماحة واليسر في دين الإسلام، كما أثبتت أحكامه وتشريعاته أنه دين الوسطية والاعتدال، فليس في دين الإسلام غلو ولا شطط، كما أنه نهى عن الانحراف والتفريط.
واستعرض د. الهليل ما جاء في القرآن والسنة من دلائل على وسطية هذا الدين العظيم ويسر أحكامه ومن ذلك وسطية هذا الدين ويسره فيما شرعه من العقائد، تجده من أوسط الأديان وأيسرها، فهو قد جاء موافقاً لفطرة الله التي فطر الناس عليها من غير أن يخالف تلك الفطرة أو يعارضها، كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
وقال: إن دلائل القرآن والسنة تدل على وسطية هذا الدين ويسره في تشريعاته وأحكامه، وكذا تشريعاته في أحكام الطهارة، فقد رخص الله تعالى لعبادة برخصة التيمم لمن لم يجد الماء أو لمن خاف ضرراً باستعماله، كما قال تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وواصل فضيلته قائلاً: ومن ذلك أيضاً يسر هذا الدين في تشريعاته في الصلاة، فقد رخص الله تعالى لعباده الجمع بين الصلاتين في حال السفر والمطر، كما رخص لهم قصر الصلاة في حال السفر، وعند الحاجة، تيسيراً منه تعالى على عباده، ودليلاً على يسر هذا الدين وسماحته، كما قال تعالى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا}.
وفي ذات الشأن، أشار الدكتور عبدالعزيز الهليل إلى إن تشريعات الإسلام في الزكاة من أعدل الشرائع وأوسطها، فقد أوجب الله تعالى الزكاة في أموال الأغنياء ليعطوها الفقراء، وفي هذه الشريعة ما فيها من حكم وفوائد تعود على المجتمع المسلم بالتآلف والتآخي والتعاون، وقد راعى الله تعالى فيها الأغنياء، فلم يوجب عليهم الزكاة إلا عندما تبلغ أموالهم مبلغاً كبيراً، فحينئذ أوجب عليهم الزكاة تطهيراً لنفوسهم من أدوائها، ومساهمة منهم في بناء المجتمع وتعاون أفراده.
وأردف يقول: أما عبادة الصيام فلم يوجبها الله تعالى على عباده إلا شهراً واحداً في العام، يمتنعون فيه من المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو وقت في مقدور الناس وفي وسعهم وطاقتهم أن يقوموا به، ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في السحور، حتى يتقوى الصائم على صيامه، ويكون سهلاً ميسوراً، كما رغب عليه الصلاة والسلام في المبادرة إلى الإفطار عقب الغروب مباشرة ودون تأخير، وجعل هذا من البر والخير. وأما الحج، فإن جميع شرائعه وأحكامه مبنية على اليسر والتيسير، فلم يوجبه الله تعالى إلا مرة في العمر، ولم يوجبه إلا على من يقدر عليه ويستطيعه.
وخلص الدكتور الهليل إلى القول: إن تشريعات دين الإسلام وأحكامه مبنية على اليسر والسماحة، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت بالحنيفية السمحة»، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد في الدين أو الغلو فيه، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه»، وقال أيضاً: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق»، ولما همّ نفر من أصحابه أن يتبتلوا ويتعبدوا وينقطعوا عن الناس ويمتنعوا عن بعض الطيبات، قام صلى الله عليه وسلم في الناس خطيباً فقال: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا! أما إني أتقاكم لله تعالى وأخشاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»، ولما همَّ عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه بالإكثار من العبادة نهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: «إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزورك (يعني ضيفك) عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه»، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد فيه حبلاً ممدوداً بين ساريتين فقال ما هذا؟ قالوا: حبل لزينب تصلي فإذا فترت تعلقت به، فقال: «حلوه، ليصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد».