Al Jazirah NewsPaper Friday  09/04/2010 G Issue 13707
الجمعة 24 ربيع الثاني 1431   العدد  13707
 
البقاء للأذكى
د. خالد بن عبدالعزيز الشريدة

 

عقول العقلاء ترقب عادة المتغيرات العالمية والعلمية والإستراتيجية وبالتالي تؤسس حركتها وتوظف إمكانياتها من أجل أن تستثمر الوقائع الجديدة لمصلحة مجتمعها.وإذا كان قد ترسخ في ذهنياتنا أن (البقاء للأقوى)

سواء أكان ذلك على المستوى الشخصي أو المجتمعي أو حتى العالمي فإن هذا المعنى في تقديري أصبح يتنازل إلى ما يمكن وصفه (بالبقاء للأذكى) هذه الرؤية التي أدعوا فيها إلى التأمل لكل من يسبر الواقع بمستوييه المحلي والعالمي.

وإذا كانت الأمثلة تتعدد في إثبات هذه النظرية فإنني أطرح عدداً منها وأترك مجالات رحبة للقارئ والقارئة في تناول ذلك وفق اهتماماتهم وتخصصاتهم. إن هذه الرؤية لا تعني بتاتاً إلغاء إمكانية أن يسيطر الأقوى على غيره حيناً من الدهر، لكننا نشير إلى أن هذه السيطرة لا يمكن أن تكون إلى ما لا نهاية، بل إن القدرة على مدّ ذلك وترسيخه يعتمد على مبدأ (الذكاء) في توظيف القوة وليس في إكراه الناس عليها.

وإذا ما تأملنا ما جناه الاتحاد السوفيتي السابق على نفسه وتفتته وما لحق به من خسائر كانت لقراء المجتمع الإنساني متوقعة لمن يعتمد لغة القوة العبثية في تركيع الآخرين.

والمثل الذي يتضح اليوم هو موقع أمريكا حيث أصبحت (بقوتها تفقد أجزاء من قوتها) إذا أثبت عهد بوش الابن بشكل أخص والذي اعتمد مبدأ من ليس معي فهو ضدي بمعنى أنه بقوة أمريكا مُسْتَهدَف!! وهذه قوة غباء وتعجرف لا ذكاء حينما يجعل الإنسان شخصه أو مؤسسته أو دولته شيئا والعالم شيئا آخر. ذلك أن عالم اليوم بعولمته ومصالحه المشتركة أكثر حاجة من ذي قبل لأن تسود فيه لغة الحوار لا الدمار.. وتأملوا معي لو أن لغة التنمية هي التي سادت بديلاً عن لغة الحرب والإقصاء... وتأملوا معي لو أن مليارات الحرب التي أنفقت عبثاً في أماكن مختلفة من العالم لو أنها استبدلت بلغة التنمية وتوفير الاحتياجات الأساسية للناس ماذا يمكن أن يكون عليه العالم الآن.

إن سياسة الذكاء تؤكد بأن لغة الاحتواء هي التي تجلب الانتماء والولاء والعطاء.

وعلى مستوى شخصياتنا ليت الأشخاص الذين يملكون موهبة تحطيم الآخرين والحط من أقدارهم والسعي لإسقاطهم يعلمون أن الإنسان بسمعته لا بكرسي مسؤوليته ومنصبه، وليتهم يعلمون بأن الأمور تجري وفق ما يضمره الإنسان وليس فقط وفق ما يظهره، لأن الإنسان مهما بالغ وتحايل في إخفاء ما يريد فإن النتائج المقدرة لا تسير وفق هواه، بل وفق ما يرضاه الله وهذه الحقيقة هي التي يجب أن يعلمها الإنسان لأنها هي التي ستبقى خالدة ما بقيت الحياة...

وهنا يجب أن نضيف بأن البقاء ليس فقط للأذكى بل إن كمال ذلك وبقاءه يكون للأتقى. وهو ذلك الشخص الذي يريد بعمله صلاح الدنيا وفلاح الآخرة، وهذه الأنفس هي التي ترتقي بالواقع حينما تتطهر من شوائب الحظوظ الوقتية التي لا تنسجم مع حقائق الوجود الكبرى.

وهذا النوع من الذكاء التقي هو الذي يحمي النفس من سقطات الذكاء التقليدي الذي لا يكمل إلا بأن يعمل مخلصاً لدينه ووطنه.

عميد شؤون الطلاب بجامعة القصيم



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد