تتلمس الكثير من خطب الجمعة مشاكل الناس وقضاياهم، فتبيّن لهم رأي الشرع فيها، لكن بعض الخطباء لا يزالون محصورين في دائرة المسلمات والبديهيات بسبب ضعف إعداده وانفصاله عن ما يدور في المجتمع وعدم قدرته على أن يكوّن رأياً صريحاً في القضايا الاجتماعية، ومن الخطب المميّزة تلك الخطبة التي ألقاها فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ الذي حذّر فيها من ظلم يقع على الزوجات بعد الطلاق، حيث قال: إن من الظواهر السيئة ما يحدث من التصرفات بعد الافتراق مما لا يقرّه الشرع القويم ولا يرضاه الطبع السليم ولا الخلق الكريم.
مبيّناً بعض صور الظلم التي تمارس بعد الطلاق من تعرض أحد الوالدين للآخر وشتمه والاستهزاء به والانتقاص من قدره على مسمع من الأبناء مما يجرح مشاعر الأبناء ويؤذيهم نفسياً، وذلك من الظلم المبين، وأشد من ذلك جرماً ما يقع من بعض الآباء حينما ينتقم من الأم المطلقة عن طريق تعذيب الأبناء جسدياً بالضرب ونحوه أو معنوياً. يأتي هذا التحذير من فضيلة إمام الحرم النبوي لأن الطلاق في مجتمعنا بحد ذاته ظاهرة مقلقة بعد أن وصلت نسبته إلى أكثر من 60% في بعض الدراسات، ومع هذا الارتفاع فإن هناك أذى وظلماً يقع على الزوجة المطلقة مما يتنافى مع صميم التوجيه القرآني {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. وسبب ما يحصل من ظلم هو عدم وضوح الأنظمة وبطء إجراءات المحاكم مما يجعل الزوج يتمادى في إجراءات تعسفية، بل (انتقامية) أحياناً! وكما قال الشاعر القديم فالظلم من شيم النفوس، وهو جبلة إنسانية يترك لها بعض الناس العنان لتكشِّر عن أنيابها ويحجبها خوف الله سبحانه وتعالى عند آخرين ولكنها عند صنف ثالث لا يردعها إلا الأنظمة الصارمة! والظلم سلوك تحرّكه ثقافة متوارثة تعتمد على استقواء الرجل على المرأة التي يمنعها المجتمع من خلال تقاليده من المطالبة بحقوقها بنفسها وتبقى هي غالباً العنصر الأضعف! يصعب عليها في كثير من الأحيان المطالبة بحقها وتدوخ الواحدة منهن السبع والعشر دوخات لتأخذ مثلاً مصروف أولادها فلا تستطيع ذلك إلا بشق الأنفس وبعد تردد على المحاكم لفترة طويلة يساعد على ذلك كثرة القضايا وبطء الإجراءات وتباعد الجلسات ومماطلة الرجل، ولذلك فهذا الأمر يحتاج إلى إجراءات تسهّل للمطلقات أخذ حقوقهن، فما يقع على بعضهن من ظلم يحتم الوقوف ضده من قبل المؤسسات الرسمية والأهلية، فلا يجب أن يكون الطلاق كما يقول المثل المصري (موت وخراب ديار)!!
alhoshanei@hotmail.com