Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/04/2010 G Issue 13706
الخميس 23 ربيع الثاني 1431   العدد  13706
 
نوافذ
الثقافة كقيمة إنسانية
أميمة الخميس

 

لطالما كانت الآداب والفنون هي الأداة الأهم في تاريخ البشرية للارتقاء بالذوق والحس ومغادرة عصور الهمجية، كونها أوعية لنشر وتعميم كل القيم الإنسانية السامية، ولا أحد يطالب الثقافة والآداب أن تكون مثقلة بالحمولة الأيدلوجية أو أن تكون متورطة بصيغة المناشير السياسية أو الخطب الوعظية، لكن أيضا لابد أن تكون ناضحة بماء قيم حضارية تنويرية تسهم في خلخلة وزحزحة جميع البنى الثقافية المهترئة التي تجثم على وعي المجتمعات وتمنعها من النمو والتحضر وعيش الحياة بكامل ثرائها وفرصها الكامنة، بحيث تصبح الأفكار الإبداعية هي أحصنة مجنحة للتحليق وليست جاثوماً مرعباً يطوق مغامرة الابتكار وسبله. فالانطباعات الجمالية تغني الفكر وتثري الأحاسيس السامية بعيداً عن الطابع المادي النفعي فالفنون والآداب ذات النزعة الإنسانية تعبر عن كوامن الإنسان الشعورية والعاطفية والحسية، كنشاط خلاق يصب في عالم الأخلاق والخير والجمال ودونها ستتصحر الحياة حولنا.

والذي يلاحظ الحيز الهامشي والضئيل الذي يفسح للمؤسسات الثقافية في الخطط التنموية المحلية، يجعلنا نأسف عن قصور الاهتمام بجانب من المفترض أن يكون وقودا حيويا للمرحلة.

فالفعل الثقافي الجاد والمسؤول يأخذنا بعيدا عن النمطية المكرسة لكل ما هو ضد وعدو الإنسان، ويستبدلها بحقول من الدهشة والمعرفة المحفزة للوعي، ذلك الوعي الذي تعاني المجتمعات من غيابه وبخاصة الأجيال الجديدة القادمة التي يحتشد بها الأفق، ولاسيما بعد فشل المؤسسات المحلية المعنية القيام بدورها، فعلى سبيل المثال المؤسسات الدينية اختطفها خطاب متشدد متعصب حجبها عن تقديم وعي ديني تنويري يتميز بالتسامح وسعة الأفق وتفعيل فقه النوازل المستجيبة لمستجدات العصر، واستبدلته بخطاب مغلق متشدد يتميز بالجمود والتعصب مع ميل كبير لتصفية الآخر عند أدنى اختلاف، مما أدخل تلك الحركات في حالة مواجهة دائمة سواء مع محيطها أو مع البنى السياسية وبالتالي فقدت الكثير من شعبيتها وجماهيريتها. أيضاً المؤسسة التعليمية عجزت عن أن تقدم للنشء وعياً أو معرفة أو تجربة يصطحبونها زاداً يستثمرونه في عصر المعلوماتية والخبرة التقنية، لذا تقع المؤسسات التعليمية في حرج كبير لعجزها عن تقديم مادة مقنعة ومدهشة لطلابها، ترضي الفضول المعرفي الذي تحققه لهم إما شبكة الإنترنت أو تلك الأجهزة التقنية اللا متناهية التي من النادر أن نجد يافعا تخلو يده منها.

ومع القصور الذي يتبدى واضحا من خلال عجز هاتين المؤسستين عن تصميم برامج ومشاريع مستقبلية مبدعة وخلاقة لليافعين، نجد أهمية منح الآداب والفنون المزيد من الحيز والدعم والمساحة لتقوم بدورها، لأن الثقافة تبقى مصدر القيمة الإنسانية وسط هجمة الثقافة الاستهلاكية والغزو الثقافي الذي يحولنا إلى قوالب متورطة بالنمط الاستهلاكي عندما يعيش الإنسان كقيمة على الهامش. متورطا بثقافة الضحالة والشره الاستهلاكي.

الفعل الثقافي بأوعيته المتعددة من كتاب ودراما وفنون تشكيلية وتعبيرية وأداء شعبي جميع، يلعب دوراً حيوياً وهاماً تكتسب حياة الناشئة ونموهم الفكري وعياً مبدعاً وابتكارياً.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد