لا يخلو جدول أعمال الجمعية العمومية العادية في الشركات المساهمة من بند (إبراء ذمة مجلس الإدارة)، ومع ذلك يمر على هذا البند مرور الكرام، بل إن الموافقة عليه تعتبر من المسلمات، فلا أحد من المساهمين يجرؤ أن يعترض عند قراءته وطلب الموافقة، لذا فالصمت إبراء للذمة، ومهما بلغت إساءة المجلس للصلاحيات أو التصرف بغير حكمة تجاه أعمال وموجودات الشركة، فالمساهمون بصورة عامة لا يملكون الحقائق التي يعتد بها للتحفظ على براءة ذمة المجلس، وذلك لأنهم لا يستطيعون الوصول لها، حيث يتعذر حصولهم على المعلومات من سجلات الشركة أو من مقابلة موظفيها، فمجلس الإدارة ولجنته الخاصة بالمراجعة والإدارة التنفيذية والمراجع الخارجي يحولون دون ذلك بحكم عدم وجود مسوغ لاطلاع المساهم على تلك المعلومات، لذا يحتار المساهمون فيما يجب فعله تجاه سوء إدارة شركاتهم ويحبطهم عدم القدرة على تقييم أداء مجلس الإدارة والتصرف حياله.
كثير من الشركات المساهمة المتعثرة أو تلك التي تعاني من تدن في ربحيتها، يقوم على إدارتها مجالس إدارة متواضعة القدرة من حيث الكفاءة أو الجهد المبذول، ومع ذلك تستمر تلك المجالس في التجدد كل دورة، ولا يحضر في جمعياتها العامة إلا عدد قليل من المساهمين ومنهم من يوكل من ينيب عنه للإحباط الذي يشعرون به من تسلط أعضاء ذلك المجلس وتدني فعاليتهم، هذه الشركات أيضاً يدير جهازها التنفيذي مديرون متواضعو القدرة والكفاءة وبالتالي لا يحدث في واقع تلك الشركات أي تغيير سوى كونها تهرم طردياً بهرم موظفيها، هذا الواقع يستدعي تدخلاً من الجهات التنظيمية في صورة وضع آلية بها يستطيع المساهمون الوصول إلى معلومات صحيحة ودقيقة - دون المرور من خلال مجلس الإدارة - بها يستطيعون أن يسائلوا مجلس الإدارة، عن سوء أداء شركاتهم وما يجب إجراؤه لتصحيح ذلك.
وحتى ننصف تلك الجهات التنظيمية فلابد من التنويه أن وزارة التجارة والصناعة قد تنبهت لهذا الأمر فأصدرت القرار الوزاري رقم 903 بتاريخ 2-8 - 1414هـ لتنظيم تشكيل لجان المراجعة في الشركات المساهمة، ولكن ذلك القرار وبعد مضي 16 عاماً على صدوره لم يحل هذه الإشكالية لكونه ينص على أن يكون أعضاء لجنة المراجعة من أعضاء مجلس الإدارة وكان الأولى أن يكونوا مرشحين من الجمعية العمومية من غير أعضاء مجلس الإدارة فالغرض من تلك اللجنة هو مراجعة قرارات ونشاطات مجلس الإدارة.
فلجان المراجعة نتيجة لتشكيلها النظامي قصرت في الرقابة على مجلس الإدارة واكتفت بدور تنسيقي وتوجيهي لا أكثر، فهي تتابع أداء ونشاط المراجع الداخلي وتنسق نشاطات المراجع الخارجي، حيث يخرج عن نطاق رقابتها مجلس الإدارة وهو الأولى برقابتها، وحتى وبعد قيام هيئة السوق المالية وتبنيها صياغة لائحة حوكمة الشركات، هي الأخرى وقعت فيما وقعت فيه وزارة التجارة والصناعة من خطأ في النص على تشكيل لجنة المراجعة من أعضاء مجلس الإدارة.
لو قمنا بدراسة القدرة على التأثير في أداء الشركات المساهمة، لوجدنا أن الأنظمة بصورة عامة مكنت مجلس الإدارة من كافة السلطات والآليات، في حين تركت المساهم غير قادر على تفعيل حقه في تنصيب وعزل مجلس الإدارة نظراً لضعف قدرته على تقييم المجلس من خلال معلومات أكيدة وموثقة، كما أن الإدارة التنفيذية مجردة من أي حماية تجاه تسلط مجلس الإدارة مما يجعلها أداة مطواعة لتنفيذ توجيهات المجلس أو أي من أعضائه المتسلطين، فلا حقوق نظامية تعتمد عليها إن أرادت أن تتضامن مع المساهمين من غير أعضاء مجلس الإدارة أو بعضهم في سبيل إصلاح وضع الشركة، لاشك أن هذا خلل يحتاج إلى إصلاح فتركيز السلطة بمجلس الإدارة دون وجود آلية رقابة وتقييم لدوره ينطوي على مخاطر ربما تحيق بالشركة وخصوصاً عندما يكون على رأس مجلس الإدارة شخص متسلط عندها تكون الشركة عملياً بإدارة شخص واحد يعتمد مستقبلها على أمانته وكفاءته.
هذا الوضع يستدعي إعادة التفكير في تركيب السلطة في الشركات المساهمة والتدخل بتنظيم يقوم على عدة عناصر، منها تفعيل الحوكمة بصورة تجعل السلطات موزعة بين المساهمين ومجلس الإدارة والإدارة التنفيذية مما يخلق توازناً يعيق التفرد بالسلطة والتعسف فيها، و تفعيل الرقابة على مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية لضمان حسن التصرف في موجودات وقدرات الشركة.
وتفعيل قدرة المساهمين على تقييم أداء مجلس الإدارة بصورة دورية، لذا أقترح أن يضاف تعديل لنظام الشركات يتم به وضع مادة تنص على اختيار الجمعية العمومية العادية ضمن جدول أعمالها (مجلس تقييم لأداء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية) من المساهمين ويعادل عدد أعضاء هذا المجلس عدد أعضاء مجلس الإدارة ويكون لهذا المجلس صلاحية الاطلاع على جميع القرارات التي يتخذها مجلس الإدارة ومحاضر جلساته ويراجع عمليات ونشاطات الشركة ضمن تنسيق مع المراقب الداخلي للشركة والذي يجب أن يعين من قبل مجلس التقييم، هذا المجلس سيطلب من مجلس الإدارة وضع إستراتيجية للشركة بناء على دراسات وافية لواقعها الداخلي والخارجي ووضع أهداف محددة وآلية قياس تنفيذها، ويصدر مجلس التقييم تقريراً للجمعية العمومية يقيم أداء مجلس الإدارة بصورة عامة ويعرض تقييماً لفعالية كل عضو وعندما يتدنى تقييم أي من أعضاء مجلس الإدارة لدرجة يستشعر ضرره على أداء الشركة يقوم مجلس التقييم بالتوصية للجمعية العمومية بإسقاط عضويته واختيار عضو آخر وتصوت الجمعية العمومية على ذلك.
لاشك أن نهجاً كهذا سيجعل كثيراً ممن يتسابقون للترشيح لمجالس إدارة الشركات المساهمة يحسب حسابات دقيقة قبل أن يقدم على الترشح، فمن يشعر أنه لن يكون قادراً على القيام بما تتطلبه تلك العضوية سواء من حيث تكريس الجهد والوقت أو من حيث الكفاءة والإمكانية التأهيلية، سيحجم عن ذلك ويترك المجال لمن لديه القدرة كما أن هذا النهج سيمكن المساهمين من التأثير في شركاتهم بصورة مرضية وبالتالي سيدعم الثقة بإدارة الشركات المساهمة و يوجه كثيراً من الاستثمارات لبناء شركات مساهمة فعالة مما يطور سوق المال ويرفع كفاءة الاقتصاد الوطني بصورة شاملة.