انطلق فلاسفة الإغريق في فلسفتهم من أن العالم لا يمكن أن يكون مخلوقاً من العدم.. وأن كل بداية ليست في الحقيقة سوى تغيير أو تطوُّر أو تبدُّل أو تحوُّل.. كما يقولون إن الوجود لا يمكن أن يكون نتيجة حدث.. لأن لكل حدث مبتدأ.. فهل الوجود قد كان قبل الحدث لا وجود؟
لم يكفر فلاسفة الإغريق بالله تعالى.. بل كفروا بآلهة الإغريق.. وهم في بحثهم عن الله الواحد الأحد كانوا يبحثون عمن يكون له وجود أزلي لا يتغيَّر ولا يفنى.. ليس له ماضٍ ولا مستقبل.. فهو يستوعب الأزل والأبد.. ولا يتجزأ فهو كامل وليس قبله ولا بعده وجود آخر. من البحث في الكون تكونت لديهم فلسفة الوجود.. ومن البحث في العقل وكنهه وقدراته تكونت فلسفة المعرفة.. ومن البحث في الجمال والقبح والخير والشر تكونت فلسفة القيم.. كما أن علماء النفس صوروا العالم على أنه صدفة.. أما علماء الطبيعة فقد صوروا العالم على أنه حركة ميكانيكية سرمدية.. بينما فسَّر الفلاسفة العالم على أن المادة أساس الكون.. والروح أساس الحياة.
المتدين الحقيقي في نظر الفلاسفة.. هو المتدين من منطق فلسفي.. فهو من يُجِد ويثابر في البحث عن الحقيقة ويفكر فيها ويحبها.. بمعنى أن التديُّن وجداني كالفلسفة والأدب والشعر والموسيقى والرسم.. أي أنه يقوم على التفكير والإبداع.. ويقوى بالتعديل والتشذيب.. ويزداد رسوخاً بالتجديد والتطوير.. كما أعتبرها صفة تُولد مع المرء.. فإن لم تكن لديه تلك الموهبة.. فمن الممكن أن يتعلمها.. لكن لا يمكنه أن يبدع فيها.
لا شك أن هدي الله على لسان رسله قد سبق فلاسفة الإغريق وغيرهم.. وهناك من يرجح أن كثيراً من فلاسفة مصر والصين والهند.. هم في الأصل رسل نسيهم التاريخ فتحوَّلت تعاليمهم وأفكارهم إلى بقايا أقوال وحكم وآراء يرددها الفلاسفة التابعون من الإغريق وغيرهم. أخيراً.. عرف (مسكوية) الفرق بين الفيلسوف والنبي.. أن الفيلسوف إنسان ترقّى وزاد ذكاء وصحة في التفكير وجودة في الحكم على الأمور والأشياء حتى بلغ الأفق الأعلى الذي يُحِلُّه في إحدى منزلتين.. أما منزلة الفيلسوف الذي يتناول حقائق الدنيا بالدرس والإمعان.. بالتفكير والاستنتاج.. أو تأتيه الحكمة من الله تعالى دون سعي.. ويكون حينها نبياً مختاراً.